اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 280
الثالثة والعشرين فعين ابنته "شبتن وبة" كبيرة لكاهنات كيبة وزوجة إلهية أو حرمًا مقدسًا لإلهها آمون، وسمح لها بسلطات كهنوتية ومدنية تفوق سلطات كبيرة الكهنة نفسه1 "وقد سبقت لهذا سابقة أيضًا في عصر الأسرة الحادية والعشرين ولكن باعتبار الأميرة زوجة لكبير الكهنة ذي الأصل الطيبي". وإلى جانب نفوذ الأمراء والأميرات كان للملوك أتباع يلقبون بلقب عيون الملك، يتولون تنفيذ سياستهم في رداء مدني أو كهنوتي. وتعدت إنعامات الملوك هؤلاء وهؤلاء إلى نفر من الأمراء القدامى المهجنين والمصريين أصهروا إلى الملوك وتزوجوا من بناتهم، وبذلك اتضحت طبقة إقطاعية كبيرة غنية تزايدت أعدادها وثرواتها وتوافر لها نفوذ كبير في حكم الأقاليم[2]. وحدث في أواخر العصر أن تكونت في المجتمع طبقة من المحاربين كان أغلب أفرادها من مهجني الأصل أنصار الحكام، ذكرتهم بعض المصادر الإغريقية باسم "ماخيموي"، وأصبحت العسكرية معهم هدفًا يرنو إليهم أفراد الاسر الوسطى ويتوارثونها ولدًا عن والد، ويحصلون عن طريقها على إقطاعيات زراعية صغيرة مناسبة، فظهرت بذلك طبقة متماسكة منطوية على نفسها من العسكريين. وربما اتخذ مثل هذا التقليد سبيله إلى صفوف بعض الكهنة وأسرهم أيضًا[3]. ومن هنا تناقل المؤرخون الإغريق فكرتهم الخاطئة منذ القرن التاسع ق. م عن قيام الحياة الاجتماعية في مصر على أساس الطبقات المهنية.
وكعادة الحكام ذوي الأصل الخليط، أظهر ملوك العصر اهتمامًا مفرطًا بالدين ومعابده، بل وبسخافات لم يكن لها من قبل غير ظلال خفيفة، ومنها شدة اهتمامهم بعجول المعبود حاب أو أبيس ودفنها فيما عرف باسم سيرابيوم سقارة[4]. وخصصوا أغلب عمائرهم الدينية لإله الدولة آمون شأنهم شأن سابقيهم، ولو أنها لم تبلغ في روائها وفخامتها ما بلغته معابد الدولة الحديثة. ويذكر لشاشانق الأول "أو لابنه إبوت الذي عينه كبيرًا لكهنة آمون" إنشاء المدخل البوباسطي في سور الكرنك الرئيسي الذي يمتد غربًا من الجدار الجنوبي لبهو الأساطين الكبير، في طريق الفناء الأول المتسع الذي يبدو أن شاشانق بدأه ولم يتمه. كما بدأ الصرح الأول الضخم الذي لم تنقش جدرانه. وحين شيدت بوابة عيد السد في بوباسطة في عهد وساركون الثاني، وهي بوابة ضخمة من الجرانيت، أعلن الملك في نقوشها اعترافًا بفضل آمون عليه في عيده، تحرير طيبة بطولها وعرضها طاهرة مزينة لربها. وأمر ألا يتدخل مفتشو القصر الملكي في شئونها وأن تتمتع بالأعفاء إلى الأبد باسم ربها الكريم. غير أن هذا لم يمنع طيبة من الثورات ضد أولئك المتسيطرين الجدد بين كل حين وآخر. فقد ثار بعض أهلها عدة مرات في عهد وساركون الكاهن الأكبر ابن الملك ثكرتي "تكلوت" الثاني الذي سجلت باسمه نصوص كثيرة على البوابة البواسطية، ثم في عهد ابنه شاشانق الثالث. واشتد الملوك في إخماد ثورات طيبة حرصًا على مصالحهم وهيبة سلطانهم فيها، بحيث ألقوا بعض زعمائها في النار أحيانًا[5].
1 Sander- Hansen, Das Gottesweib Des Amun, Copenhagen, 1940. [2] H. Kees, Ancient Egypt, 283-284. [3] ألكسندر شارف: تاريخ مصر - ص163. [4] Mariette, Le Serapeum De Memphis, Pls. 24, 26-28; Jea, Xxxiv, Pl. 15 F. [5] Rec Trav., Xxii, 55; Xxxi, 6; Xxxv, 138.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 280