responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 27
وترتبت على بدايات معرفة الزراعة في الشرق الأدنى نتائج اجتماعية وعمرانية واقتصادية متعددة كانت أساسًا لبعض ما تلاها من مظاهر الحضارات التاريخية:
فقد ترتب على الاشتغال بالزراعة زيادة التماسك الأسري بين الأفراد نتيجة لإمكان انتفاع رب كل أسرة بمجهودات أولاده وبناته وزوجاته في عمليات الزراعة، ثم زيادة الاستقرار السكني بين الزارعين نتيجة لحرصهم على الإقامة بجوار مزروعاتهم لرعايتها وحمايتها ثم للانتفاع بها، وزيادة الاستقرار المعيشي بينهم نتيجة لإمكان تحكم الإنسان في محصول أرضه بقدر ما يبذله فيها من الجهد، وزيادة تعوده على الادخار للاستعانة بمحصوله المدخر على المعيشة في غير فصول الإنبات وفي مواسم الجفاف. مع زيادة التعاون بين الأقارب في استصلاح المزيد من الأرض واستغلالها. وازدياد الميل إلى التجمع بين الجيران في سبيل حماية المناطق المزروعة ودرء أخطار الفيضانات عنها. ثم التماس الفرد للأمن وسط الجماعة وفي حماية المجموع، مع زيادة إحساسه بفرديته وشخصيته نتيجة لما أصبح يمتلكه من الأرض الزراعية وما يستغله عليها من الحيوانات الأليفة، وإن وضحت الفوارق الاقتصادية في الوقت نفسه مع حياة الزراعة بين المالك وبين الأجير وبين الغني وبين الفقير.

تعدد الحرف وبدايات الفنون:
عرف أهل الشرق الأدنى، وأهل مصر وبلاد النهرين بخاصة، مع الزراعة نوعا من ضمان الرزق لم يعرفه أسلافهم من قبل. واتسعت مطالبهم الفردية والجماعية بعض الشيء. وبدأ تعدد الحرف بينهم في الوضوح. فظهرت لديهم إلى جانب حرف الزراعة والصيد واستئناس الحيوان ورعيه وصناعة الأدوات الحجرية، حرف الصناعة أدوات الزراعة من فئوس ومناجل، وأخرى لتضفير الحبال وعمل الزنابيل والسلال "من الخوص ونباتات الحلفا وألياف البردي" لخزن الحبوب وعمل الحصير، ونسج الكتان، وحرف غيرها لصناعة أواني الفخار والقليل من الأواني الحجرية[1].
ولم يكن الإنسان ليستطيع أن يهتدي إلى صناعة من هذه الصناعات بسهولة وفي وقت قصير، وإنما لعبت عوامل المصادفة والملاحظة والصبر ثم رغبة الابتداع دورها في كل واحدة منها. ففي عوامل الاهتداء إلى صناعة الأواني الفخارية على سبيل المثال ليس من المستبعد أن يكون الإنسان القديم قد هيأ لنفسه منذ الدهر القديم الأعلى أوعية بدائية خشنة يسيرة يحتفظ فيها بقوت يومه ويأكل فيها حبوبه المجروشة ويشرب فيها الماء واللبن. وإذا صح هذا الظن، صح التساؤل معه، وكيف وفر هذا الإنسان الأول أوعيته هذه وكيف كانت هيئتها؟ هناك احتمالان للإجابة على هذا السؤال وهما: أن يكون الإنسان قد اتخذ أوعيته تلك من بيض النعام على نحو ما فعل أصحاب الحضارة القفصية في شمال إفريقيا. أو يكون قد صنع أواني الطعام من ألياف النخيل والدوم وما يشبهها، واتخذ أواني الشراب من جيوب الجلد التي تشبه السقاء، على نحو ما تفعل بعض الجماعات البدائية المتخلفة حتى الآن[2].

[1] انظر أيضًا: مصطفى عامر: في تاريخ الحضارة المصرية – المجلد الأول – القاهرة 1962 – ص51، عبد العزيز صالح: المرجع السابق – ص68 - 92.
[2] Caton-Thompson, Ma, Xxxii “1932”, 131f,; H. Frankfort, Studies In The Early Pottery, 1924, 12; J. Meyrs, In Cambridge Ancient History, I. 79.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست