اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 26
معرفة فطرية بظواهر الإنبات الطبيعية عن طريق ما كانوا يشهدونه من خروج النبت من الحبوب البرية والبذور التي تلقيها الرياح والمصادفات أمام أعينهم فوق سطح الأرض اللينة، أو التي تسقط منهم وهم في طريقهم إلى حيث يقيمون، كلما أصابها البلل والمطر. ولم تكن مهمة جمع الحبوب الغذائية البرية يسيرة دائمًا لتفرق عيدانها في الطبيعة على مساحات واسعة، ولتقدم الجفاف شيئًا فشيئًا خلال الدهر الحجري القديم الأعلى وما كان يستتبعه من شح نمو النباتات الطبيعية تدريجيًّا أيضًا، وذلك مما كان من شأنه أن يولد الرغبة لديهم في محاولة الاهتداء إلى وسيلة يضمنون بها تواجد هذه الحبوب المفيدة في مساحات متصلة قرب أماكن إقامتهم بقدر الإمكان.
ووجدت مصر ميلًا كبيرًا من أغلب الباحثين لافتراض تحقيق هذه الرغبة ومعرفة الزراعة لأول مرة على أرضها. وذلك على أساس أن اشتداد الجفاف على هضابها الشرقية والغربية في أواخر الدهر القديم الأعلى كان من شأنه أن يدفع أهلها إلى أن يتتبعوا انتشار النباتات والحبوب الطبيعية على ضفاف مورد الماء الدائم في أرضهم، وهو نهر النيل، فاقتربت جماعاتهم من مدرجاته في دفعات متتالية وشجعتهم أحوالها الآمنة على الاستقرار عليها، ولما طالت إقامتهم في أرجائها ابتغاء الانتفاع بنباتاتها الطبيعية وأسماك الماء والحيوانات التي تقصد ضفاف النهر وفروعه التماسا للشرب، أصبحت ملاحظاتهم لنمو بذور النباتات الطبيعية في أرضها الخصبة مستقرة مضطردة، نتيجة لما كانوا يشهدونه من أثر التعاقب السنوي المنتظم لفيضان النيل وانسياب مائه عليها ثم انحساره، في النمو التلقائي السنوي الجديد للنباتات والحبوب كلما توفرت لها الأرض الطميية السوداء على وجه الخصوص. ولما استرعت هذه الظواهر الطبيعية أنظار المصريين جيلًا بعد جيل واستوعبوها، وأدركوا بها العلة في نمو النباتات في أعقاب الفيضانات مع انتشار البذور في الأرض الخصبة، كما أدركوا معها العلة في ذواء النباتات وجفافها حين قلة الماء وجفافه وصلابة التربة، حاولوا أن يستفيدوا مما استخلصوه فائدة إيجابية، وبمعنى آخر حاولوا أن يباشروا عملية النمو الطبيعية للنباتات والحبوب الغذائية بأنفسهم، وأن يصبحوا منتجين لغذائهم متحكمين فيه بأنفسهم وسواء طالت محاولاتهم هذه أم قصرت، فقد انتهت باهتدائهم إلى أساليب الزراعة البسيطة منذ أكثر من سبعة آلاف عام أو ثمانية آلاف، وقبل غيرهم من أهل العالم القديم المسكون[1]، أو قبل أغلب أهل العالم القديم المسكون إن نظرنا بعين الاعتبار إلى ما يراه أنصار حضارات وديان الأنهار الكبرى الأخرى مثل أنصار حضارة بلاد النهرين، وأنصار حضارة سوريا وفلسطين وأنصار حضارة إيران، بل والباحثين في حضارات جنوب شرق آسيا، من أن كلا منها قد عرفت الزراعة في عصر قريب من العصر الذي اهتدت مصر فيه إلى معرفة الزراعة[2]. [1] See Also, S. Huzayyin, Op. Cit., 231.
تاريخ الحضارة المصرية – القاهرة 1962 – المجلد الأول – ص15 - 16.
عبد العزيز صالح: حضارة مصر القديمة وآثارها – القاهرة 1962 – ص81 - 86. [2] See, Peake, The Origins Of Agriculture, 1928; The Beginning Of Agriculture, 1931; R.J. Baidwood, “The World’s First Farming Villagea”, Lllustrated London News, April, 28, 1956, 410f.; Etc.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 26