responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 25
يستطيع أن يطرقها، سواء للأفراد والأسر أم للجماعات التي انتشرت تبحث عن الأراضي المعشبة المطيرة التي يتيسر الصيد فيها وتتوفر قطعان الماشية البرية على مراعيها. وكان في هذا ما أدى إلى تشابه أغلب أدوات الدهور الحجرية القديمة مع بعضها البعض إلى حد ما، سواء وجدت في الشرق أم وجدت في الغرب وبعد أزمان طويلة أخذت كل من هذه الجماعات تألف الإقامة تدريجيًّا في البقاع التي ناسبتها طبيعتها الجغرافية وأحست بالأمن النسبي فيها.
وأعقب هذه الدهور دهر رأى فيه بعض الباحثين من الخصائص ما يسمح بتسميته باسم الدهر الحجري الوسيط، بينما أنكر باحثون آخرون أهميته بالنسبة للشرق الأدنى بخاصة.
وعلى أية حال، فإنما نود قبل أن ننتهي من استعراض أحوال الدهور الحجرية القديمة، أن نشير إلى أنه ليس من ضرورة للمغالاة في تصوير ما بلغه إنسانها البدائي من قدرة على التطور بحضاراته الأولى والابتداع فيها. فقدرة الإنسان الأول على التفكير والابتداع لم تتعد كثيرًا دائرة حياته الفردية الخشنة ودائرة مطالبه المحدودة. ولم يكن التطور في آفاق حياته ومطالبها يسير في غالب أمره إلا بجهد وبطء شديد، وذلك إلى الحد الذي رتب معه الأستاذ فلندرز بتري أن ألف عام من حياة البشر في الدهور الحجرية القديمة لا تكاد تعادل في تطورها الفكري ما كان يتم من تطوير خلال عمر شخص واحد في العصور التاريخية القديمة. وهذا بطبيعة الحال لا يكاد يعادل ما يتم خلال أعوام قلائل أو حتى بضعة شهور من حياة الإنسان وإمكانياته في عصوره التاريخية الحديثة. زد على ذلك أن الأدوات التي كان الإنسان القديم يستخدمها في عصر ما لم تكن تجب الأدوات التي اعتاد أسلافه عليها فيما تقدمه من عصور، وإنما كانت تستخدم معها جنبًا إلى جنب وإن زادت عنها في شيوعها وأعدادها وأنواعها.

بداية الزراعة في فجر التاريخ أو العصر النيوليثي:
شهد الشرق الأدنى القديم طفرته الحضارية المنتجة حقًّا منذ أوائل الألف السادس قبل ميلاد المسيح، وتلك هي طفرة الاهتداء إلى بداية حرفة الزراعة قبل معرفة المناطق الأوروبية بها بنحو ألفي عام. وكان من منطق التطور أن تنشأ أولى خطواتها وتنضج في وديان الأنهار الكبيرة أو بقربها. وقد اشتركت بلاد الهلال الخصيب في معرفتها بممهدات الزراعة الأولية. ومن ذلك معرفة المصريين وأهل العراق والشام منذ أواخر الدهر الحجري القديم الأعلى بانتقاء أنواع الحبوب الغذائية المفيدة كالشعير البري والحنطة البرية وبطرق جرشها والانتفاع بها، بدليل العثور على بعض مناجل الحصاد ومراحي جرش الحبوب في منطقة عيون حلوان وحوض كوم أمبو في مصر، وفي مغارة الناطوف وما حولها في فلسطين[1]. وربما تولدت عندها حينذاك

[1] Ed. Vignard, Bifao, Xx, 24; Huzayyin, The Place Of Egypt In Prehistory, 257f.; H. Farnkfort, The Natufian Of Palestine” T.R.A. I, Lxii, 257f.; H. Farnkfort, The Birth Of Civilization In The Near East, 1951.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 25
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست