responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 220
قصره ويرسلها إليه باعتبارها أميرة من بيته صونًا لكرامته بين شعبه. وفي كل ذلك ما يشير إلى عظم مكانة مصر واعتزاز أهلها بسمو منبتهم.
ولكن تبدلت أحوال الاستقرار الخارجي في عهد أمنحوتب شيئًا فشيئًا. بعد أن استنام إلى حياة الرفاهة وترك تقاليد آبائه في إيثار السلام المسلح والخروج من حين إلى حين إلى أطراف دولته لطمأنة الموالين لها والضرب على أيدي الخارجين عليها والحد من أطماع الدول المتربصة بها، فانتقد الشعب الشامي بخاصة صلاته الشخصية به وبدأ يئن تحت وطأة دسائس أصحاب المطامع في الداخل وفي الخارج. كما بدأ الحيثيون يعبثون بالحدود السورية والحدود الميتانية، ويغرون ضعاف النفوس من الإقليمين بالعمل لصالحهم. وعندما خفت الإدارة المصرية في بلاد الشام أغار بعض أمرائها على جيرانهم، وهددت هجرات قبائل الخابيرو والعابيرو البدوية الأمن وسبل التجارة، فتوالت صرخات الاستغاثة من الأمراء الموالين لأمنحوتب، فوجدت الاستجابة مرة، ولكنها وجدت الإهمال مرات. ولم يقدر أمنحوتب خطورة هذه الأحوال تقديرها الصحيح، واستمر يظن في نفسه السيادة، واستمر يتلقى رسائل التكريم من أمراء بابل والميتان وبعض أمراء آسيا الصغرى، وكان شر ما أعماه عن تبين حقيقة الأوضاع هو أمر جماعة من أمراء كنعان ومن الخابيرو والعابيرو، مهروا في النفاق واستمروا يضللونه ويضللون ولده أخناتون من بعده، ويسرفون في إظهار الود والطاعة لمصر وفرعونها، ويسرفون في الوقت نفسه في إضمار الحقد لهما.
وصورت هذه البلبلة مجموعة رسائل كانت محفوظة بديوان رسائل أمنحوتب الثالث وآخناتون من بعده عثر عليها خلال القرن الماضي مصادفة في أطلال العمارنة، فنسبت إليها وسميت باسم رسائل العمارنة، وبلغ ما عثر عليه منها 377 رسالة تضمنت المراسلات المتبادلة بين الفرعونين وبين ملوك الشرق وحكام الشام في عهديهما[1]. ويفهم منها أنه امتاز من بين حكام الأموريين في أواسط سوريا وشرقها حاكمان: حاكم يسمى ريب أدى أشرف على منطقة واسعة تمتد من الساحل إلى الداخل حول ميناء جبيل، وظل مواليًا لمصر حتى آخر حياته، وكان يؤيده حلف من المواني الكبيرة التي تشترك مع جبيل في المصالح التجارية مثل بيروت وصور وصيدا وعكا. ثم حاكم آخر يدعى عبدو عشرتا "أو أشرتا" أشرف على جزء كبير من حوض العاصي وبسط نفوذه عنوة على حساب جيرانه فاحتل عرقه وقطنه وحماة وني في الداخل، واحتل أرواد وهاجم سميرا على الساحل، ونافق كلًّا من الحيثيين والمصريين وادعى لكل طرف أنه يعمل لحسابه. وتوالت شكاوى ريب أدى إلى أمنحوتب الثالث بعد أن أصبحت عاصمته جبيل شبه محصورة، وتوالت رسائل حلفائه إلى مصر ترجو نجدة حليفهم، وذلك في نفس الوقت الذي بلغ فيه من فجور عبدو عشرتا أنه كان يبعث الرسائل إلى مصر يكذب كل ما يتهم به ويسرف في إظهار الخضوع فيقول فيما يقول: "إلى الملك شمسي ومولاي يقول عبدو عشرا عبدك وتراب قدميك: أجثو عند قدمي مولاي الملك سبعًا، وسبعًا، فأنا خادم الملك وجرو بيته، وأحرس أرض أمورو كلها من أجل مولاي وسيدي2". وكان ذلك كافيًا لإشباع غرور الملك وخديعته ..

[1] J.A. Knudtzon-E. Ebeling-O. Weber, Die El-Amarna Tafein, 1907-15; O. Schroeder, Die Tontafein Uon El-Amarna, 1915; S.A.B. Mercer, The Tell El-Amarna Tablets, 1939.
2 Amarna Letters, No. 60, Also 42.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست