اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 217
ولي أمنحوتب الثاني "عاخبرو رع" عرش مصر بعد أبيه تحوتمس الثالث في عام 1436ق. م، وانتفع بالتربية العسكرية التي تعهده أبوه بها[1] في توطيد أركان الأمن في دولته وإشاعة الهيبة في أرجائها الواسعة، تلك الدولة التي روى "مين مس" مهندسه ومهندس أبيه أنه ثبت حدودها في العام الرابع من حكمه بنصبين جديدين: نصب أقيم في أرض نهرينا على الفرات، ونصب آخر أقيم في أرض كاروى في جنوب النوبة[2] وذكرت نصوص أمنحوتب أنه تفقد المناطق الشمالية مرتين، بلغ في إحداهما أوجاريت وألالاخ "تل العطشانة" قرب أنطاكية[3]. كما وجد له تمثال جاث يحمل آنيتين قربانًا على يديه قرب شندي وعلى مسافة سبعين ميلًا شمالي الخرطوم.
ومالت حوليات أمنحوتب الثاني ونصوصه إلى المبالغة في تصوير انتصاراته، على العكس من حوليات أبيه التي راعت سلامة المنطق في روايتها بقدر الإمكان. ولو أن نصوص أمنحوتب امتازت على الرغم من عنصر المبالغة فيها بنصيب كبير من الحيوية والتفصيل، لا سيما فيما روته عن أخبار صاحبها في المرات التي تعمد فيها أن يستعرض فتوته وعضلاته داخل مصل وخارجها. وكان من ذلك على سبيل المثال أنها روت أنه عبر بجيشه ذات مرة مياه نهر العاصي الهادرة، ثم اندار فجأة ليطمئن على سلامة جيشه، فلحظ جماعة أتوا من ناحية قطنة خلسة يحاولون الانقضاض عليه، فقصدهم وحيدًا وانقض عليهم انقضاض الباشق، فانطلقوا مذعورين ووقع كل منهم فوق رفيقه ومعهم قائدهم، ولكنه لاحقهم ولحقهم وهو وحيد وفتك بهم أجمعين. ثم روت أنه تجمع في معسكر الأسرى ذات مرة أكثر من ثلاثمائة أسير، فلما رأى أن عددهم كبير خشي هروبهم، فقام بليل وحفر حولهم حفرتين أوقد فيهما نارًا، وظل ساهرًا يحرسهم حتى الصباح "وهو يحمل بلطة الحرب في يده، وكان بمفرده وليس معه مصري آخر، بل وكان جيشه بعيدًا عنه، بعيدًا عن سماع صوته"[4].
ومع حب المبالغة مال أمنحوتب الثاني في بعض أحواله إلى الغلظة في معاملة خصومه، على العكس من أبيه. وإن كانت هذه الغلظة لم تؤثر عنه غير مرتين أراد الاشتداد فيهما على كبار خصومه الذين غدروا بولائهم له "من وجهة نظره"؛ ليكونوا عبرة لمن تحدثه نفسه بالتآمر عليه والغدر به. واختتمت نصوصه أخبار انتصاراته الحربية بتصوير النتائج التي ترتبت عليها، بنفس الأسلوب الجانح إلى المبالغة، في قولها: "وحين سمع أمير نهرينا "الميتاني" وأمير خاتي "الحيثي"، وأمير سنجار "البابلي"، بانتصارات جلالته، نافس كل منهم الآخر في هداياه إليه ... وتوجهوا إليه بدعائهم من أجل إقرار السلام، ... "وقال رسلهم إليه": أتينا بهدايانا إلى قصرك يابن رع أمنحوتب، حاكم الحكام، الأسد الهصور في كل مكان، وفي هذه الدنيا كلها، إلى أبد الآبدين". [1] راجع للمؤلف: "التربية العسكرية في مصر القديمة" – في المجلد الأول من "تاريخ الحضارة المصرية" – القاهرة 1962، ص203 - 205. [2] L.D., Text, I, 20; Ancient Records, II, 800. [3] Ch. Kuentz, Amada, 2, 210, 227; Karnak Stela, II. 13. [4] A.M. Badawi, Asae, XLII, 1 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 217