اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 184
بالخير بعد نحو أربعة قرون من وفاته وشاد له نصبًا باسمه. وعندما وفد المؤرخون الإغريق والرومان إلى مصر سمعوا عنه حكايات شائقة وخلطوا بين أعماله وأعمال سنوسرت الأول وأعمال رمسيس الثاني، وضخموا فيها حتى نسبوا إليه باسم سيزوستريس فتوحات واسعة في آسيا الغربية وأوروبا الشرقية. وذكر المؤرخ المصري مانيتون السمنودي أنه اهتم بتسجيل أحوال الناس أينما ذهب، وأنه حدد جماعات النبلاء والنبيلات على النصب. ثم ذكر ديودور الصقلي أنه تحقق من أن سيزوستريس هذا أو سيزوسيس نشأ على طبيعة الحرب منذ صغره، وأنه تحبب إلى رعيته ليساندوه في مشاريعه، واتخذ بطانة من أترابه الأشداء، وفتح بلاد العرب والحبشة والهند وبلغ البحر الأسود ووصل تراقيا وجعلها حدود ملكه[1]. وليس في كل هذا بطبيعة الحال ما يلزمنا بالتسليم به؛ نظرًا لعدم العثور على أدلة مادية تزكيه، ولكن حسبنا منه أن أعمال المشاهير والشجعان من الرجال كانت تخلد وتتضخم أنباؤها مع الزمن حتى تشبه الأساطير وتصبح مثارًا لفخر خلفائهم.
غلب السلام على عهد أمنمحات الثالث "ني ماعت رع" في الخارج وفي الداخل، فاتسع نشاط الدولة في استغلال موارد الصحراء الطبيعية من معادن وأحجار على أيامه. واتسعت صلات مصر التجارية والثقافية بمناطق الشام، لا سيما دولتي الميناءين التجاريين جبيل وأوجاريت، وعثر في مقابر أمراء هاتين الدولتين وغيرهما من دويلات الشام على آثار مصرية وصلتهم على هيئة الهدايا من أمنمحات الثالث وخلفه أمنمحات الرابع[2]. وعثر لأمنمحات الثالث على تمثال على هيئة أبو الهول أقيم لدى مدخل معبد الإله بعل في أوجاريت وذلك مما يتفق مع ما أسلفناه من أن الصلات التجارية كانت تعقبها صلات حبية ودينية في أغلب الأحوال. وكان الحرص على استمرار العلاقات الطيبة بين مصر والشام، حرصًا مشتركًا بين الطرفين، ولم يكن يعتمد على دافع واحد، فمصر على سبيل المثال لم تبن علاقتها بجيرانها الشماليين على أساس الرغبة في فتح أسواق فيها لتصريف مصنوعاتها فحسب، ولا على أساس الرغبة في استيراد أخشابها وزيوتها فحسب، ولكن كان يعنيها كذلك أن تستورد ما كان يتجمع في موانيها من منتجات الحوض الشرقي للبحر المتوسط من فضة وزيوت ومعادن وأحجار كريمة، وأن تستورد ما كان يتجمع في أسواقها الداخلية من منتجات بلاد النهرين وإيران والأناضول وشبه الجزيرة العربية، ويعنيها أن تظل روابطها بفلسطين قوية باعتبارها العصب الرئيسي لتجارتها البرية مع ما يليها من بلاد الشام.
وعلى نحو ما حرصت مصر على بقاء شرايين اتصالاتها بجيرانها مفتوحة ومأمونة، وجدت المدن والدويلات الصغيرة في فلسطين وسوريا وفينيقيا في مصر خير عميل للتبادل التجاري الواسع معها، ومصدرًا رئيسيًّا للتبادل الحضاري بمعناه الواسع، وكان يعنيها على وجه الإجمال أن تظل علاقاتها بمصر القوية الغنية [1] Diodorus, I, 53 F. [2] J. Wilson, Ajsl, Viii, 1941, 235; Porter And Moss, Op. Cit., Vii, 386.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 184