اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 142
وكتب بخبره إلى بلاط مولاه، فاهتم الملك الطفل به أكثر من اهتمامه بنتائج الرحلة نفسها، ورد على كتاب حرخوف برسالة ساذجة تتبدى فيها روح الطفولة وانفعالاتها، وتتبدى فيها في الوقت نفسه مساوئ النظام الوراثي المطلق الذي لا يأبى أن يضع أزمة أمور دولة بأسرها في يد طفل صغير, وأوصى ببي حرخوف في رسالته بالعجلة في الحضور إليه والحرص على سلامة القزم، وشدد عليه في أن يخصص له حرسًا يحوطونه على جانبي المركب خشية أن يسقط في الماء، ويتفقدونه خلال نومه عشر مرات في كل ليلة، وصرح له بأنه أصبح يهتم بهذا القزم الذي أتى له به من عالم الأرواح "سكان الأفق" أكثر من اهتمامه بمنتجات أرض المناجم ومنتجات بلاد بوينة نفسها، ووعده إن وصل به سالمًا أن يكافئه مكافأة لا يحلم بها، مكافأة يعتز بها أولاده وأحفاده[1].
وكان الأقزام يقومون بأدوار مختلفة في قصور الفراعنة والأثرياء وفي المعابد. فعمل بعضهم في مجالات الرقص والفكاهة، وأؤتمن بعضهم على المقتنيات الخاصة لمواليهم ورؤسائهم، وعمل بعضهم في الصناعات الدقيقة كصناعة الحلي، واشترك بعضهم في أداء طقوس المعابد ورقصاتها، وكان لهم دور معلوم يؤدونه في بعض مراسيم الجنازات الكبيرة[2]. وكان بعضهم يجلبون من بلاد السودان أو مما وراءها كما حدث على يد حرخوف في عهد ببي، ومن بلاد بوينة كما حدث في أيام الفرعون إسسي من الأسرة الخامسة حيث أحضر رجل يدعى "باور جدي" قزمًا من أسواق إيام، وذكر أنه استورده من "أرض الأرواح"[3]. على حين كان بعضهم الآخر يختارون من بين قصار القامة وناقصي التكوين من المصريين أنفسهم[4]. ولم تكن أوضاع هؤلاء وهؤلاء مهينة دائمًا، لا سيما إذا كانوا من المصريين، فقد ولي القزم المصري سنب مناصب كبيرة في البلاط والكهنوت في نهاية عصر الأسرة الخامسة أو بداية عصر الأسرة السادسة، وتزوج من سيدة نبيلة، وأصبح يخرج في مواكبه يصحبه ما لا يقل عن أربعة أتباع يحملون محفته وعصاه ويرفعون له مظلته[5].
وأكمل والي أسوان ببي نخت مجهودات سلفه حرخوف في أعمال الكشف وتأمين سبل التجارة في الأقطار الجنوبية في أوائل عهد ببي الثاني، وكان يكنى "حقا إب" أي المتحكم "في" قلبه. واستعان على تنفيذ أغراضه بالشدة حينًا وبالسياسة حينًا آخر[6]. وترتب على ذلك كله أن استمرت التجارة المصرية في التوغل في الجنوب، وربما وصلت حينذاك إلى أسواق كراما في أقصى مديرية دنقلة[7]، وكانت من أكبر الأسواق التي توسطت بين النوبة وبين السودان. [1] A.R. I, 351 F. 'Urk. I, 129 F. [2] H. Junker, Giza, V, Abb., I, 1-11. [3] Urk., I, 128. [4] See, Jea, Xxiv, 185 F. [5] Junker, Op. Cit., Abb., 26. [6] A. R. I, 358, 359. [7] Reianer, Zaes, Lii, 34 F. ;Dixon, Op. Cit.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 142