اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 119
الزائرين خلال المواسم والأعياد، يقصدونه من كل حدب وصوب، حتى إذا اكتملت أعدادهم فيه. وحيوا تماثيل الفرعون الموجودة به، وتلوا دعواتهم عند بعض آثاره الشخصية الباقية. خرجوا بين تراتيل الكهان وأنغام الموسيقى الدينية من بابه الخلفي، وبدءوا مسيرتهم على الطريق الصاعد، وهو طريق يمتد نحو نصف كيلومتر "494.60 من الأمتار" وخمسة أمتار عرضًا، وكان يحف به جداران سميكان مرتفعان يميلان في الخارج ويستقيمان في الداخل، وتكسوهما من الداخل بلاطات جيرية بيضاء ومن الخارج بلاطات جرانيتية حمراء. وليس ما يمكن تأكيده حتى الآن عما إذا كان هذا الممر مسقوفًا أم غير مسقوف، ولكن يتجه الظن إلى أنه كان مسقوفًا بإحكام بحيث لا ينفذ الضوء إليه إلا من فتحات ضيقة في أعلاه؛ رغبة في توفير الرهبة وطابع السرية والغموض فيه وبما جعله ممثلًا للصراط المستقيم المؤدي إلى الآخرة.
وتنتهي الوفود من الطريق إلى مدخل معبد الشعائر، وهو معبد يجاور الهرم من ناحيته الشرقية كما علمنا، ولا يقل في ضخامته عن ضخامة معبد الوادي، لولا أن التهدم أصاب جانبًا كبيرًا منه، وكان يتألف في صورته القديمة من عناصر كثيرة، يمكن إجمالها في قسمين متصلين: قسم أكبر يغلب عليه طابع العمومية. وقسم أصغر تغلب عليه صفة الخصوصية وطابع السرية. ويتلو القسم الأكبر باب الدخول، وإليه تنتهي الوفود بعد خروجها من الطريق الصاعد، ويتألف من ثلاثة أجزاء: فيبدأ بصالة أعمدة تتدرج من الاتساع إلى الضيق نحو الداخل، بحيث يتسع عرضها في بدايتها لثمانية أعمدة جرانيتية كبيرة متجاورة، ويتسع عرضها في منتصفها لأربعة أعمدة، ويقتصر عرضها في نهايتها على عمودين فحسب. ويتلو الصالة بهو أعمدة مستطيل كان يتضمن تماثيل لخفرع تصوره في ملابسه الدنيوية الرسمية. وحده تارة ومع زوجته تارة أخرى. وينتهي البهو إلى فناء رحب متسع تتعدد الممرات حوله وتوجد عدة أبواب على جانبيه. وتتعاقب بين الأبواب تماثيل لخفرع تصوره بردائه الأخروي "وهو عباءة محبوكة" متوجًا بتاج الصعيد على الجانب الأيسر ومتوجًا بتاج الدلتا على الجانب الأيمن. وتتوسط الفناء مائدة قربان ضخمة تضع الوفود هداياها عليها باسم صاحب المعبد. ويتألف القسم الأصغر للمعبد من ثلاثة أجزاء أيضًا، تُؤدى فيها الشعائر اليومية والموسمية لصالح صاحبها، وهي خمس حجرات مستطيلة، يذهب الظن إلى أنها كانت تتضمن خمسة تماثيل ملكية يتقدم الكهنة أمام كل تمثال منها بالدعوات والقرابين باسم من أسماء الملك الخمسة أو ألقابه الخمسة. ثم حجرات أخرى تضمنت كنوز المعبد وذخائره وأدوات طقوسه. وأخيرًا قدس الأقداس أو الحرم المقدس الذي لم يكن يقربه غير الفرعون الحاكم وكبار الكهان. وهو عبارة عن مقصورة بسيطة مستطيلة يتصدرها باب وهمي عظيم من الجرانيت ومائدة كبيرة للقرابين.
وبقيت مجموعات متصلة من المساكن الصغيرة إلى الغرب من هرم خفرع، بلغ عددها 91 مسكنًا، وبنيت من الدبش ثم كسيت بملاط من الطين والطفل أو الجير، وكانت مقببة السقف ودكت أرضها بالطير وقامت كل مجموعة منها في صف متصل يستند على جدار ساند واحد. وكانت في مجملها مساكن متواضعة لا يزيد كل مسكن منها عن حجرة واحدة يبلغ عرضها نحو ثلاثة أمتار وارتفاعها مترين أو أكثر قليلًا.
ويفترض الأستاذ بترى أنها كانت تتسع لنحو أربعة آلاف عامل من العمال في منطقة الهرم[1]، وقد نرى بمنطق عصرنا الحالي أن تكديس مثل هذا العدد في مساكن قليلة لا يخلو من امتهان لكرامة الإنسان، وهذا حق، ولكنه كان بالنسبة لأهل عصره خيرًا من المبيت في العراء. [1] S. Hasan, The Grat Sphinx And Its Secrets, Cairo, 1935.25 F, 157, 221, F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 119