اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 110
الاستفادة بهم وضمان استمرار قوتهم البدينة على مواصلة العمل، مع تنظيمهم وتقسيمهم فرقًا لا زالت بعض أسمائها مسجلة على أحجار متفرقة من جوانب الهرم[1].
ومن أمتع تعليقات المؤرخين القدامى عن الأهرام المصرية قول المؤرخ ديودور الصقلي في القرن الأول ق. م: "واتفقت الآراء على أن الأهرام لم تحظ في مصر بذلك المركز الممتاز لضخامة بنائها وباهظ تكاليفها فحسب، بل ولدقة بنائها أيضًا، ومهندسو المشروع أولى بالإعجاب فيما يقال من الملوك الذين دبروا المال لإنجازه؛ لأن المهندسين استنفذوا في إنجاز المشروع أرواحهم وهممهم، بينما استغل الملوك الأموال التي ورثوها ومجهودات الآخرين "الكتاب الأول: 64". ولم يكن المؤرخ الرحالة المسلم عبد اللطيف البغدادي أقل توفيقًا في القرن الثالث عشر الميلادي عن ديودور الصقلي في تعليقه على الأهرام المصرية بقوله: "فإنك إذا تبحرتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها، والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها، والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها لها، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثلًا هي غاية إمكانها، حتى إنها تكاد تحدث عن قومها وتخبر بحالهم، وتنطق عن علومهم وأذهانهم، وتترجم عن سيرهم وأخبارهم".
والواقع أن الهرم الأكبر لا يكاد يذكر إلا ويظهر معه التساؤل عما إذا كان المصريون قد شادوه وشادوا أمثاله، راضين أم مجبرين، مأجورين أم مسخرين. وإذا تركنا آراء الأقدمين إلى آراء الباحثين المحدثين، وجدنا كل عدد منهم قد ذهب مذهبه وتحمس له. فأكد هرمان يونكر أن روح الرضا والرغبة في الإبداع وإشباع المزاج الفني كانت غلابة على من تكفلوا ببنائه، وربما استطاعت عوامل التسخير والإجبار أن تبني الهرم الأكبر، وما هو أعظم من الهرم الأكبر، ولكنها لم تكن لتستطيع أن تبلغ به إلى ما بلغه بنيانه من الإتقان بحال ممن الأحوال. وأخذ برأي يونكر كثيرون وحوروا فيه. وأكد أكلسندر شارف من ناحيته أن تأليه المصريين لملوكهم وعبادتهم بعد موتهم هي التي دفعتهم إلى التفاني في بناء أهرامهم ومعابده، وأن حرص أفراد الطبقات الكادحة على أن يدفنوا حول هرم خوفوا حتى بعد أربعة قرون من وفاته يؤكد بقاء ذكراه الطيبة بينهم وتبركهم بمنطقته ويبعد عنه سمة العتاة المستبدين. وأخذ برأيه هو الآخر كثيرون وحوروا فيه. بينما ظهرت آراء أخرى ذهبت إلى النقيض، فلم تر في هرم خوفو وأمثاله سوى أثرة الفراعنة المصريين واستبدادهم وسوء استغلالهم للقوة البشرية والإمكانيات المادية في أرضهم، ولم تر غير عوامل التسخير وحدها هي القادرة على إقامة الأهرام وتوابعها.
ونعتقد من جانبنا أنه من الإسراف أن يقتصر القول على عامل واحد يسر لخوفو بناء هرمه أيًّا ما كان هذا العامل، أو افتراض وسيلة واحدة أو عقيدة واحدة خضع لها كل القائمين على بناء هرمه. فليس من. اليسير أن نفترض، كما ذهب يونكر، أن كل من كدحوا في سبيل بناء الهرم كانوا يشبعون مزاجهم الخاص، وإن أمكن أن نفترض مثل هذا المزاج الخالص لكبار المهندسين ورؤساء الصناع ذوي الأجور العالية. [1] عن فرق أخرى العمال ليست إلى اسم خوفو. Reisner, Op. Cit., 8; Smith, Jnes, 1952, 125.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 110