اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 109
مرحلة منها إلى أخرى نتيجة لازدياد خبراته وازدياد إمكانيات عهده ونتيجة لامتداد أجل فرعونه. فبنى الهرم في مرحلته الأولى ليكون هرمًا متوسط الحجم مائل الجوانب حاد الزوايا متساوي الخطوط يشبه هرم دهشور ولكن تقع حجرة دفنه في أسفله. ثم أزاد حجمه بعد فترة ما وقبل أن يتم بناءه وشاد حجرة دفن جديدة في باطنه، ثم أزاده للمرة الأخيرة وشاد حجرة الدفن الثالثة في نصفه العلي من أحجار جرانيتية هائلة وكان بارعًا حين أقام فوقها خمسة سقوف يتعاقب كل منها فوق الآخر بعد ارتفاع قليل، رغبة منه في تخفيف الضغط عن سقفها الأول الذي تألف من تسعة ألواح تزن في مجموعها نحو 400 طن. وجعل أربعة من هذه السقوف مسطحة، وبنى خامسها "وهو العلوي" مثلثًا على هيئة الجمالون لتوزيع ضغط البنيان العلوي من الهرم على جوانب الحجرة وسقوفها دون وسطها. ويصل بين غرفة الدفن الوسطى وغرفة الدفن العليا في باطن الهرم دهليز صاعد يعتبر آية من آيات الفن المعماري لعصره. ويبلغ طوله 153 قدمًا وارتفاعه 28 قدمًا، وقد كسيت الأجزاء السفلى من جانبيه بأحجار مصقولة ضخمة، وبرز كل مدماك من مداميكه العليا، وعددها سبعة في الجانبين، عن المدماك الذي يرتكز عليه بمقادير ثلاث بوصات، والتصق كل مدماك منها بالآخر وكل حجر منها بالآخر في إتقان شديد دفع بعض العلماء إلى المبالغة في تقديره بقولهم إن ما بين كل حجر وآخر لا يكاد يسمح للشفرة بالنفاذ منه. ومن الأوصاف الممتعة في تصوير مدى الدقة في بناء الهرم، ما يقال من أن متوسط الخطإ في طول جوانبه لا يعدو [1]: 4000، وأن الخطأ في عمليات التربيع التي استخدمت فيه لا يعدو كسرًا عشريًّا يساوي دقيقة واثنتي عشرة ثانية، وأن معدل الخطإ في ضبط ضلعيه الشرقي والغربي لا يزيد عن 3: 100، أن الفواصل بين بعض أحجاره لا تزيد عن نصف ملليمتر.
ويتضح لخاصية الصخامة الفريدة مع البراعة الفائقة التي امتاز الهرم الأكبر بها أكثر من معنى ومدلول، فهي من الناحية السياسية تنم عن نظام من الحكم كان يسمح للفرعون صاحب الهرم بتصرف واسع في إمكانيات البلاد المادية والبشرية. وهي من الناحية المعمارية تشهد لمهندس الهرم أو مهندسيه[1] بدراية واسعة بمبادئ الهندسة وفن العمارة، وذلك بحيث لا يكاد العلم الحديث يجد خطأ واضحًا فيما أتموه. وهي من الناحية العملية تشهد للصناع الفنيين بمهارة أصلية في نحت الأحجار الضخمة وتسويتها وتثبيتها فيما يلائمها من جسم الهرم، ومهارة أصلية مماثلة في تنفيذ ما خططه المهندسون بنجاح كبير. وهي من الناحية البشرية تشهد لآلاف العمال العاديين الذين اشتركوا في بناء الهرم بجلد شديد وقوة احتمال كبيرة في قطع أحجاره الضخمة من محاجرها ونقلها ثم رفعها إلى مواضعها من بنائه. ثم هي من الناحية الإدارية تشهد لرجال الإدارة المشرفين على نظام العمل في الهرم بحظ كبير من الكفاية في رسم الخطط لتجميع آلاف العمال وتموينهم وحسن [1] يعتقد يونكر وريرنر أن مهندس الهرم هو الأمير حم أونو ابن أخ خوفو أو ابن عمه، وكان أميرًا دلت ملامحه في تمثاله على أنه كان ذا شخصية قوية آمرة، وذلت سعة سيطرته وفخامتها على مكانته في عصره – وتلقب بألقاب المهندس الملكي ومدير المنشآت المقدسة كلها "أو مدير أعمال الرب كلها" وربما ولي الوزارة.
G. Reisner, The Tomb Of Herep - Hetes, I, 1955, 9.
واعتقد برستد أن مهندس الهرم أمير آخر يحتفظ المتحف المصري بتابوته وهو "خوفو عنخ".
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 109