ثم اذن لهما، حتى إذا نهضا وخرجا، قال:
كيف بكم إذا ظهر تعاديهما وبدا تباغضهما، ووقع باسهما بينهما حتى تسفك الدماء، ويود كثير من الأحياء انهم كانوا موتي؟
فقلت: يا امير المؤمنين، هذا شيء قضى به المنجمون عند مولدهما، او شيء اثرته العلماء في أمرهما؟
قال: بل شيء اثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في امرهما.
قالوا: فكان المأمون يقول في خلافته: قد كان الرشيد سمع جميع ما جرى بيننا من موسى بن جعفر بن محمد، فلذلك قال ما قال.
قال الأصمعي: وكان الرشيد يحب السمر، ويشتهى احاديث [1] الناس، فكان يرسل الى إذا نشط لذلك، وجن عليه الليل، فاسامره، فأتيت ذات ليله، ولم يكن عنده احد، فسامرته ساعه، ثم اطرق، وفكر، ثم قال:
يا غلام، على بالعباسى يعنى الفضل بن الربيع.
فحضر، ودخل، فاذن له بالجلوس.
فقال: يا عباسي، انى عنيت بتوليه العهد، ومثبت الأمر في محمد وعبد الله، وقد علمت انى ان وليت محمدا مع ركوبه هواه، وانهماكه في اللهو واللذات خلط على الرعية، وضيع الأمر، حتى يطمع فيه الأقاصي من اهل البغى والمعاصي، وان صرفت الأمر الى عبد الله ليسلكن بهم المحجة، وليصلحن المملكة، وان فيه لحزم المنصور وشجاعة المهدى، فما ترى؟
قال الفضل: يا امير المؤمنين، ان هذا امر خطير عظيم، والزلة فيه لا تستقال، وللكلام فيه مكان غير هذا.
فعلمت انهما يحبان الخلوه، فقمت عنهما، وجلست ناحيه من صحن الدار، فما زالا يتناظران الى ان أصبحا. [1] بياض في الأصل مكان ما بين الحاصرتين.