وقالت التي من ورائه: ملك قصاف، مبذر متلاف، قليل الإنصاف، كثير الاسراف، وقالت التي عن يمينه: ملك ضخم، قليل الحلم، كثير الإثم، قطوع للرحم، وقالت التي عن يساره: ملك غدار، كثير العثار، سريع الدمار. ثم بكت خالصه، وقالت: يا كسائي، وهل يغنى الحذر؟.
وذكر عن الأصمعي قال: دخلت على الرشيد، وكنت غبت عنه حولين بالبصرة، فأومأ الى بالجلوس قريبا منه، فجلست قليلا، ثم نهضت، فأومأ الى ان اجلس، فجلست، حتى خف الناس.
ثم قال لي:
يا أصمعي، الا تحب ان ترى محمدا وعبد الله؟
قلت: بلى يا امير المؤمنين، انى لاحب ذلك، وما اردت القيام الا إليهما، لاسلم عليهما.
قال: تكفى.
ثم قال: على بمحمد وعبد الله.
فانطلق الرسول.
وقال: أجيبا امير المؤمنين.
فاقبلا، كأنهما قمرا أفق، قد قاربا خطاهما، وضربا ببصرهما الارض حتى وقفا على أبيهما، فسلما عليه بالخلافة، وأومأ إليهما، فدنيا منه، فاجلس محمدا عن يمينه، وعبد الله عن شماله.
ثم أمرني بمطارحتهما، فكنت لا القى عليهما شيئا من فنون الأدب الا أجابا فيه وأصابا.
فقال: كيف ترى ادبهما؟
قلت: يا امير المؤمنين، ما رايت مثلهما في ذكائهما وجوده ذهنهما، فاطال الله بقاءهما، ورزق الامه من رأفتهما ومعطفتهما.
فضمهما الى صدره، وسبقته عبرته حتى تحدرت دموعه.