اسم الکتاب : السلوك الروحي ومنازله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 520
من أبغض شيئا أبغض أنّ ينظر إليه، وأن يذكر عنده ..
ولقد كان في رسول الله (ما يدلّك على مساوئ الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع
خاصّته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أكرم الله محمّدا
بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه، فقد كذب والله العظيم، وأتى بالإفك العظيم، وأن
قال: أكرمه، فليعلم أنّ الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له، وزواها عن أقرب
الناس منه، فتأسّى متأسّ بنبيّه، واقتصّ أثره، وولج مولجه، وإلّا فلا يأمن الهلكة،
فإنّ الله جعل محمّدا (علما للسّاعة، ومبشّرا بالجنّة، ومنذرا بالعقوبة، خرج من
الدنيا خميصا، وورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله، وأجاب
داعي ربّه، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتّبعه، وقائدا نطأ
عقبه، والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا
تنبذها عنك، فقلت: اغرب عنّي، فعند الصباح يحمد القوم السرى)(1)
[االحديث: 2831] عن الإمام
الباقر: (إنّ رسول الله (كان يأتي أهل الصفة، وكانوا ضيفان رسول الله (كانوا
هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلى المدينة، فأسكنهم رسول الله (صفة المسجد، وهم
أربعمائة رجل، يسلّم عليهم بالغدوة والعشي، فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله
ومنهم من يرقع ثوبه ومنهم من يتفلى، وكان رسول الله يرزقهم مدّا مدّا من تمر في
كلّ يوم، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، التمر الّذي ترزقنا قد أحرق بطوننا،
فقال رسول الله (: أما إنّي لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم، ولكن من عاش
منكم من بعدي فسيغدى عليه بالجفان، ويراح عليه بالجفان، ويغدو أحدكم في قميصه
ويروح في أخرى، وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة، فقام رجل فقال: يا رسول
(1) نهج البلاغة/509
خطبة 158.
اسم الکتاب : السلوك الروحي ومنازله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 520