ففي
الآية الكريمة من أصناف الثواب والجزاء لمن ضحى بكل محبة وهوى أمام محبة الله
ورسوله ما يقصر عنه الوصف.
قلت:
هم يذكرون السنة أكثر من ذكرهم للكتاب.
قال:
فاذكر لهم منها قوله a: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده
والناس أجمعين)[1]، فقد جمع a في هذا الحديث أصناف المحبة،
وأمر بتقديم محبة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عليها.
قال آخر:
وأخبر a أن
حلاوة الإيمان لا تتحقق إلا لمن قدم محبة الله ورسوله على من سواهما، قال a: (ثَلاثٌ مّنْ كُنَّ فيه وجَدَ
حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهمُا، وأن يُحبَّ المرءَ لا
يُحبهُ إلا لله، وأن يَكرَهَ أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار)[2]
قال آخر:
هذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وكله حديث عن الحب، وإخبار بأن الحب وما ينتج عنه
من مشاعر هو أعمق أعماق الإسلام.
قلت:
ابتعدوا عن النصوص.. وحدثوا عقلي ببراهين العقول [3].
[3] حاول العلماء ـ كما فعلوا
مع محبة الله ـ أن يبحثوا في الأسباب الدافعة لحب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وهي كما نرى لا يمكن حدها بأسباب
معينة، فكل شخص دوافعه الخاصة، والتي تختلف باختلاف درجة حبه لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ودرجة قربه منه ودرجة تعرفه عليه
ودرجة ترقيه في مقامات الإيمان.
وأقل هذه الدرجات ما يبالغ
فيه البعض من وصف الصورة الخلقية لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في مدحه والثناء عليه بذلك
والمبالغة فيه إلى درجة لا نرى أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم يرضى عنها.
فرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم مع ما أوتي من حسن الخلقة، والذي
ذكره واصفوه، وأثنوا عليه به ليس هو الأصل الدافع للحب، فالحب المؤسس على الجسد قد
يليق بالغواني ولا يليق برسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم.
فالترغيب الحقيقي في رسول
الله a لا يكون بذكر صورته وشكله،
وإنما بذكر خلقه وكمالاته، ومع ذلك لا نرى مانعا من ذكر صورته الخلقية لتكون مكملا
لصورته الحقيقية لا أصلا لها.
وانطلاقا من هذا نرى بعض
التشويه في شخص رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم،
والذي يمارسه البعض باسم إحياء السنة، فيتصور أن السنة هي طول اللحية وقصر القميص
مع تجهم الوجه والتشدد في محله وغير محله.
وعلاج هذه الظاهرة بالوصف
الشامل لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم،
انطلاقا من قربه من ربه، وانتهاء بعلاقته التي شملت كل ما يمكن أن يؤسسه الإنسان
من علاقات.
وهذا الوصف وحده ـ والذي
يعتمد القرآن الكريم والسنة الصحيحة ـ كاف وحده لملأ القلوب بمحبة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، والتفاني في حبه.
وبمثل هذه المبالغة في وصف
الهيئة الشكلية لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
نرى في المقابل بعض المبالغة في وصف مقاماته a الروحية وقربه من ربه وعلاقته
بالخلق، حتى تحول رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
بذلك إلى سر غامض، وتحولت رسالته إلى مجموعة ألغاز لا يفهمها إلا خاصة الخاصة،
وكأن رسالة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
العامة الشاملة خاصة بهذه الثلة القليلة التي تفردت بالتعمق في حقيقتها.
وإلى هذين المعنيين، وإلى
هذين الفريقين أشار a
بقوله:( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وقولوا: عبدالله ورسوله )
وهذا نهي صريح منه a عن وصفه بما ليس في من الصفات
التماسا لمدحه، كما وصفت النصارى عيسى u بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله فكفروا
بذلك وضلوا.
وبدخل فيه أيضا وصفه ببعض
ما هو فيه مما ينتج خللا في التعرف عليه a، كمن يقتصر على وصف خلقته الجسدية،
أو مقاماته الروحية، أو حياته في بيته، أو حياته مع صحابته، أو غزواته.
ولهذا استغل المستشرقون ما
ورد في غزواته a لتصويره بصورة المحارب
الذي لا يهدأ، والذي لا يكون له الوقت الكافي للتوجيه والتربية.
بل وقع في ذلك بعض المسلمين
حين تصور الدين سيفا مرفوعا على كل هامة، وتصور الدعوة إلى الله وفتح القلوب على
دينه حروبا وغزوات لا تنتهي.
وقد غفل هؤلاء عن الأوصاف
التي وصف بها رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
في القرآن الكريم، أو التي تناقلها أهل الكتاب في كتبهم، وكلها ترجع إلى الرحمة
واللطف وحسن المعاملة مع جميع الخلق.
فهذه هي أوصاف رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في القرآن الكريم، قال الله U:) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)