قال: لقد رأيت ـ من خلال
صحبتي الطويلة للمسلمين ـ أنهم صنفان:
أما أولهما.. فيمتلئون رقة
وعذوبة.. وتمتلئ قلوبهم من المشاعر والمواجيد ما لا طاقة لهم بحبسه.
وأما ثانيهما.. فقد يمتلئون
عقلا وحكمة.. ولكن عيونهم جامدة، وقلوبهم لا يكاد يحركها شيء.
قلت: لا أرى هذا خاصا
بالمسلمين وحدهم.. فجميع البشر يدخلون ضمن هذين الصنفين.
قال: ولذلك ترى هؤلاء
الشعراء يبدأون بذكر المحبة ليغلقوا الأبواب أمام الجامدين، وكأنهم يقولون لهم:
هذه الكلمات لا يمكنكم أن تفهموها.. لأنكم لم تذوقوا ما ذقنا.. فدعونا وشأننا.
ابتسمت، وقلت: لقد تنبأ
البوصيري بما لاقت بردته من الإنكار إذن؟
قال: ألا تعلم أن الشاعر
لم يسم شاعرا إلا بعد أن نال من الحس المرهف ما جعله يرى ما لا يرى غيره؟
قلت: صدقت في هذا..
ولكني لم أزل حائرا في هذا المحبوب الذي بدأ البوصيري يتغنى به.
قال: وهل هناك إلا
محمد.. البوصيري لا يتحدث إلا عن رسول الله r ؟
قلت: البعض اعتبرها غزلا
لا يختلف عن غزل المجنون.
قال: ولكن البوصيري عاقل
وليس مجنونا.. وما كان للعاقل أن يقع في شباك الحب المدنس.
قلت: إن هؤلاء يدافعون
على أنها من الغزل المرتبط بالنساء..
قال: فلفهموا ما يشاءون.. ولكن أخبرني
أيهما أقوم قيلا: من سمع هذه الأبيات