قلت: ما نص عليه قوله تعالى:{ قَالَ فَإِنَّهَا
مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ
عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة:26)
قال: فكان دخولهم في التيه إذن
عقوبة لهم؟
قلت: نعم.
قال: والأصل في العقوبة أن يشدد على
صاحبها، ويضيق عليه.
قلت: لا شك في ذلك، ومن شك فعليه
بزيارة السجون والمعتقلات.
قال: ولكن اسمع لما أنزل الرزاق
الكريم على هؤلاء في فترة عقوبتهم، قال تعالى مخاطبا لهم:{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ
الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ}(البقرة:57)
قلت: لقد ذكر الله تعالى ثلاث نعم
عظمى: الغمام، والمن، والسلوى.
قال: فقد وقاهم الله حر الشمس، وصدى
العطش، ولهيب الجوع.
قلت: لم يقهم فقط، بل متعهم، فقد قال قتادة في المن:( كان
المن ينزل عليهم في محلّهم سقوط الثلج، أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل،
يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك
)، وقال ابن عباس في السلوى:( السلوى طائر يشبه السماني كانوا يأكلون منه )