قلت: الزاهدون، بل إن الحريصين
حمدوا الله على أنهم لم يؤتوا مثل ما أوتي قارون لئلا يحل بهم ما حل به.
قال: فلماذا يصر قومك على أن
يلتحقوا بالعالم الأول، وهم يعلمون حقيقته التي لا تختلف عن حقيقة قارون، بل هم
يرددون ما ردد قارون:{ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}(القصص: 78)
قلت: لأنهم يعتقدون أن الأولية
والكمال في ذلك؟
قال: أو لم يعلموا:{ أَنَّ اللَّهَ
قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً
وَأَكْثَرُ جَمْعاً}(القصص: 78)؟
قلت: ولكن مطالبهم الدنيوية تتطلب
منهم ذلك.
قال: لا، بل الحرص الكاذب الذي
يمليه فراغ أجوافهم هو الذي يطلب منهم ذلك، فالكمال في الحقيقة لا في المظاهر، وفي
الصدق لا في الزور.
قلت: فقد ذكرت لي مثالا من أمثلة
الكمال في الزهد، ولكن قومي قد لا يفهمونه حق الفهم، أو قد يؤولونه، فما أسهل
تأويل النصوص وإلباسها أي لباس يشاءون.
قال: ولكن النص واضح.
قلت: ولكنهم لن يقرؤوه ولن يفسروه،
بل سيكتفون منه بعبارة يجعلونها هي المحكم الوحيد فيه، وما عداه متشابه.