قال: لا يوجد ما هو أعظم من تصوير القرآن الكريم للحقائق.
قلت: ولكن الحقائق تحتاج أحيانا لتفسيرها، فمن الناس من لا يطيق تفهم الحقائق لكثافته وغلاظة طبعه، ولا أنكر أني مبتلى ببعض هذا الطبع.
قال: أخرجت إلى الحقول في الربيع الجميل؟
قلت: وكيف لا أخرج، وهل الدنيا إلا جمال الربيع وزهر الربيع ونسائم الربيع.
قال: فهل رأيت الأزهار المتفتحة، والأعشاب النظرة..؟
قلت: والجمال المتدفق الحي الذي يشرق من الجبال والوهاد، وكأن الدنيا كلها تبتسم.. بل ترسل ضحكات عريضة.
قال: فهل مررت به في الصيف عندما ترسل الشمس لهيبها؟
قلت: عندها يتحول الحي ميتا، والجمال دمامة، وتنقلب الابتسامة الجميلة آهات وأحزانا.
قال: فهذه هي الدنيا.. أيام معدودة من الابتسامة.. ثم يعقبها صيف الألم وخريف الأحزان.
قلت: والآخرة؟
قال: الآخرة ربيع دائم، فهل تستبدل الربيع الذي لا يستمر إلا أياما معدودة بالربيع الذي لا تفنيه الأيام، ولا تبلي ثيابه السنون.
قلت: فهمت المثال.. لكأني بنا قد غرقنا في نسائم زهرة من زهرات هذا