وقد طبق رسول
الله a هذه المعاملة الطيبة مع ألد أعدائه من المشركين أو
المنافقين، وفي الفترة التي كان فيها الإسلام في أوج عزته، حتى أن بعض المسلمين
تأثر لذلك، فقال لهم رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (أترضون أن يذهب
النَّاس بالشَّاة والبعير، وتذهبون بالنَّبيِّ a إلى رحالكم؟)[1]
لكن هذه النصوص
جميعا، لم تُعتبر أثناء دارسة التاريخ، وتقييم الشخصيات التاريخية، بل إن الثناء
كان أعرض على من استعمل كل الوسائل للإساءة لغير المسلمين بحجة العزة الإسلامية،
والتي تحولت بعد فترة قصيرة إلى ذلة، عندما دخل الصليبيون والاستعمار إلى بلاد
الإسلام، وكان في إمكانهم ألا يدخلوا لو أن المسلمين عرفوا كيف يؤلفوا قلوبهم،
ويطرحوا لهم الإسلام بالصورة الجميلة التي ترغبهم فيه.
لكن للأسف لم
يكن الأمر كذلك.. وما حصل في عهد هارون وصراعه مع غير المسلمين، سواء في بلاد
الإسلام أو غيرها أكبر شاهد على ذلك..
أما صراعه مع
غير المسلمين في بلاد الإسلام، فقد عبر عن بعض مظاهره ابن القيم في كتابه الذي
خصصه لفقه أهل الذمة وتاريخهم، عندما ذكر معاملة هارون لهم، وأثنى عليها، بل
اعتبرها نموذجا لتطبيق الحكم الشرعي في حقهم، فقد روى عن الحسن البصري قوله: (من
السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة)، ثم علق عليه بقوله: (وكذلك
هارون الرشيد في خلافته أمر بهدم ما كان في سواد بغداد)[2]
ثم اعتبر ذلك
سنة من السنن التي طبقها الخلفاء الصالحون، والذين سماهم بقوله: (فصل في حال خلفاء
المسلمين مع أهل الذمة، ودرج على ذلك الخلفاء الذين لهم ثناء