اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 375
الأصول، وانتصر لهذين المذهبين
انتصارا كبيرا علانية وتعصب لهما على حساب مذاهب الطوائف الأخرى، فأعطى القضاء
للشافعية في دولته، ومكّن للأشعرية في مملكته، وعلى نهجه سار أولاده من بعده في
التمكين للأشعرية التي حرص على تربيتهم عليها[1].
وهكذا كانت تحصل الفتن كل حين
بين المذاهب الفقهية وبسبب فروع فقهية بسيطة، ومن الأمثلة عليها ما ذكره المؤرخون
من الصراع الشديد بين الحنفية والشافعية إلى الدرجة التي استعانوا فيها بأعدائهم،
فقد ذكروا في أحداث سنة 633 هـ أنه (اختلف أهل أصبهان.. وهم طائفتان حنفية
وشافعية، وبينهم حروب متصلة وعصبية ظاهرة ! فخرج قوم من أصحاب الشافعي إلى من
يجاورهم ويتاخمهم من ممالك التتار فقالوا لهم: أقصدوا البلد حتى نسلمه إليكم !
فنقل ذلك إلى قاآن بن جنكيز خان بعد وفاة أبيه والملك يومئذ منوط بتدبيره، فأرسل
جيوشاً من المدينة المستجدة التي بنوها وسموها قراحرم، فعبرت جيحون مغربة وانضم
إليها قوم ممن أرسله جرماغون على هيئة المدد لهم، فنزلوا أصفهان في سنة633
المذكورة وحصروها، فاختلف سيفا الشافعية والحنفية في المدينة حتى قتل كثير منهم،
وفتحت أبواب المدينة فتحها الشافعية على عهد بينهم وبين التتار أن يقتلوا الحنفية
ويعفوا عن الشافعية ! فلما دخلوا البلد بدؤوا بالشافعية فقتلوهم قتلاً ذريعاً ولم
يفوا مع العهد الذي عهدوه لهم، ثم قتلوا الحنفية ثم قتلوا سائر الناس)[2]
وللأسف فإن مثل هذه الأحداث لا
تذكر، ويطوى عليها كل سرابيل الكتمان، في نفس الوقت الذي يشاع فيه بأن ابن العلقمي
هو الخائن الوحيد الذي اتصل بالتتر من غير أي تحقيق تاريخي.
ولم تكن تلك الأحداث هي الوحيدة،
بل كان الصراع بين المختلفين على أبسط
[1]
أبو شامة : كتاب الروضتين ، ج 4 ص: 382 . و المقريزي : الخطط ، ج 2 ص: 343 ، 358
.