اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 340
وموسى ما بينهما! فوثب به
هارون، وغضب غضباً شديداً، وقال: أتعترض على الحديث؟ عليّ بالنطع والسيف، فأحضر
ذلك، فقام الناس إليه، يشفعون فيه، فقال الرشيد: هذه زندقة، ثم أمر بسجنه وأقسم أن
لا يخرج حتى يخبره من ألقى إليه هذا، فأقسم ذلك الرجل بالأيْمان المغلظة ما قال
هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة بادرة منه، وأنه يستغفر الله ويتوب إليها منها،
فأطلقه)[1]
وقد علق الصابوني [2] على القصة بقوله: (هكذا ينبغي
للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، ويقابله بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من
يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد مع من اعترض على الخبر الصحيح
الذي سمعه بكيف، على طريق الإنكار له والابتعاد عنه، ولم يتلقه بالقبول)[3]
وهكذا فعل المتوكل، والذي رأينا
نماذج عن جرائمه في الفصل المخصص له، ولذلك وصفه ابن كثير بقوله: (لما ولي المتوكل
على الله الخلافة استبشر الناس بولايته، فإنه كان محباً للسنة وأهلها، ورفع المحنة
عن الناس، وكتب إلى الآفاق لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن)[4]
وقال: (كتب المتوكل إلى الآفاق
بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكف عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلم علم
الكلام لو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت، وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا
بالكتاب والسنة لا غير، ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل.. وارتفعت السنة جداً
في أيام المتوكل عفا الله عنه، وكان لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام
[2]
إسماعيل بن عبدالرحمن النيسابوري الصابوني الشافعي، محدث، فقيه، مفسر، واعظ، نصر
السنة في خراسان، ولقِّب شيخ الإسلام، توفي سنة 449هـ . نظر : طبقات الشافعية
4/271 ، وسير أعلام النبلاء 18/40 .