ولكن العدل كذلك
يقتضي منا أن نذكر الحقائق بكل أجزائها وتفاصيلها، وألا ندع الأهواء تتحكم فينا؛
فنختار من الفلم أجمل أجزائه، ونقص ما بقي منه، لنحافظ على صورة البطل في أذهان
المغرمين بالأمجاد الكاذبة.
وهذا ما حصل
بالضبط، فعشاق صلاح الدين الأيوبي المطالبين بعودته، راحوا يقصون كل أجزاء الفلم
التي تذكر عودة الصليبيين للقدس بعد وفاته، وبعد أداء أدواره التخريبية في العالم
الإسلامية.
وقد عادوا إليها
أشرس ما كانوا، بسبب الخطط الاستراتيجية التي وضعها صلاح الدين الأيوبي، والتي
تمكن لهم عودة آمنة وقوية، بعد أن تحررت منهم لسنين معدودة.
لقد عادوا إليها
ـ كما يذكر المؤرخون ـ من دون حرب، بعد أن أهداها لهم السلطان الكامل ابن أخي صلاح
الدين، والذي تولى حكم مصر سنة 615 هـ، وذلك بعد أن خشي أن يسلبوه حكمه على مصر،
فاتصل بهم ليفاوضهم، وعرض عليهم أن يتنازل عن بيت المقدس مقابل أن يخرجوا من
دمياط.
وطبعا لم يتردد
الامبراطور الصليبي فريدريك في قبول هذا العرض السخي، لكن البابا في روما رفض
العرض، ووبخ الامبراطور فريدريك على قبوله.. فتنازل السلطان الأيوبي، وقدم عرضا
أسخى، وهو أن يتنازل عن نابلس وصيدا وعسقلان وطبرية واللاذقية وسائر المدن
الساحلية التي حررها صلاح الدين الأيوبي..
وهكذا كانت
البلاد الإسلامية يتلاعب بها الملوك والبابوات، الذين لا يزال يلعنهم أئمة
المسلمين في مساجدهم، ويدعون الله أن يزلزل الأرض من تحتهم، ويجمد الدماء في
عروقهم، لكنهم ينسون أن يدعوا على كل من تسبب في كل ذلك الخنوع، وتلك المذلة، بل
إنهم بدل أن يلعنوه، ويلعنوا ما فعله بالأمة الإسلامية، يترضون عنه، ويمجدونه،
ويمجدون
اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 25