اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 183
وبينهما حروب، وكان يشرب أيضا
في جماعة، فاستأذن المعتضد، ودخل، فزاد تعجبهم، فسلم وأكل، وأل من سكره، وسقط في
يده، لكنه تجلد، ثم قال: أريد أن أنام، ففرشوا له، فتناوم، فقال بعضهم: هذا كبش
سمين، والله لو أنفقتم ملك الأندلس عليه ما قدرتم، فقال معاذ بن أبي قرة: كلا، رجل
قصدنا، ونزل بنا مستأمنا، لا تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا، ثم انتبه وقام،
فقبلوا رأسه، وقال للحاجب: أين نحن؟ قال: بين أهلك وإخوانك. قال: هاتوا دواة، فكتب
لكل منهم بخلعة ومال وأفراس وخدم، وأخذ معه غلمانهم لقبض ذلك، وركب، فمشوا في
خدمته. لكن أساء كل الإساءة؛ طلبهم بعد أشهر لوليمة، فأتاه ستون منهم، فأكرمهم،
وأنزلهم حماما، وطينه عليهم سوى معاذ، وقال لمعاذ: لم ترع، حضرت آجالهم، ولولاك، لقتلوني،
فإن أردت أن أقاسمك ملكي، فعلت، قال: بل أقيم عندك، وإلا بأي وجه أرجع، وقد قتلت
سادات بني برزال، فصيره من كبار قواده، وكان من كبار قواد المعتمد) [1]
هذا هو الواقع
الأندلسي كما ترسمه كتابات المؤرخين والفقهاء المسلمين، وأولهم سكان الأندلس
نفسها، والذين ذكروا معاناتهم مقارنة بذلك الرفاه الذي يعيشه الحكام والمستبدون،
والذين لم يكتفوا بظلم السكان الأصليين، وإخراجهم من أرضهم، وإنما أضافوا إلى ذلك
ظلمهم لإخوانهم من المسلمين الذين جلبوهم باسم الفتح، فلم يجدوا إلا الاستبداد.
5 ـ الفاتحون.. واللهو والمجون:
لم يكتف أولئك المستبدون الذين
حكموا الأندلس بالحديد والنار، بتلك الجرائم التي كانوا يمارسونها مع المسلمين
وغيرهم، وإنما أضافوا إليها إشاعة الانحرافات الأخلاقية في البيئة الأندلسية،
والتي تأثرت كثيرا بالبيئات المنحرفة التي كانت موجودة في