اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 176
يتصور الكثير من الناعقين
بالأمجاد المزيفة أن ذلك الذي يسمونه فردوسا مفقودا كان لجميع المسلمين، عامتهم
وخاصتهم، وذلك غير صحيح، والمصادر التاريخية تؤكد أنه لم ينعم في الأندلس بالرخاء
والرفاه سوى أولئك المستبدين الطغاة الذين قسموا الأرض بينهم كما تقسم الكعكعة.
وهم يذكرون أن ما كان من آثار في
الأندلس لا يزال يوجد بعضها إلى اليوم، ليس سوى أثر من آثار ذلك الاستبداد والظلم،
ذلك أن تلك القصور، بنيت على عرق كثير، ودماء كثيرة، سالت لترفع كل لبنة من
لبناتها، ويسكن بعدها صعلوك من الصعاليك، ومعه غلمانه وجواريه.
وبما أن الكثير يلتمس كل السبل
ليفر من الحقيقة، فلن أذكر هنا ما قال المؤرخون، وإنما سأذكر بعض ما ورد في رسالة
لابن حزم الأندلسي القرطبي (384 هـ - 456 هـ)، يصور فيها حال الاستبداد الذي كان
يعيشه عامة سكان الأندلس، وهي من رسالة له بعنوان [التلخيص لوجوه التخليص]، وقد أجاب
فيها على بعض المسائل الدينية والفقهية، ومنها ما يرتبط بالواقع الذي كان يعيشه،
وعن كيفية التورع في المطعم والملبس والمكسب.
وقد بدأ هذه الإجابات بقوله:
(وأما ما سألتم عنه من أمر هذه الفتنة وملابسة الناس بها مع ما ظهر من تربص بعضهم
ببعض، فهذا أمر امتحنا به، نسأل الله السلامة، وهي فتنة سوء أهلكت الأديان إلا من
وقى الله تعالى من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب. وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن
في شيء من أندلسنا هذه، ولها عن آخرها، محارب لله تعالى ورسوله وساع في الأرض
بفساد؛ للذي ترونه عياناً من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية التي تكون
في ملك من ضارهم، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون على أهلها،
ضاربون للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمين
في أخذ الجزية والضريبة من أهل الإسلام، معتذرون بضرورة لا تبيح
اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 176