اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 169
وفوق هؤلاء ذكر محمد عبد الله
عنان ـ وهو المؤرخ المختص الذي درس الواقع الأندلسي بدقة شديدة، ومن خلال المصادر
الكثيرة ـ أن كل التاريخ الأندلسي ابتداء من أيام الفتح، وانتهاء إلى خروج
المسلمين منها لم يكن سوى تاريخ مطول للصراع والفتن، ابتدأ بالصراع بين طارق بن
زياد وموسى بن نصير، وانتهى بما ذكره التاريخ من المأساة الكبرى للمسلمين، وقد
خرجوا يجرون أذيال الخيبة.
يقول ـ عند ذكره لملوك الطوائف
ـ: (ونستطيع القول بأن تمزق الأندلس على هذا النحو، كان ضربة، لم تنهض الأندلس من
آثارها قط، بل كان بداية عهد الانحلال الطويل الذي لبثت تتقلب فيه بعد ذلك زهاء
أربعة قرون أخرى، وبالرغم من أن عهد الطوائف الحقيقي لم يطل أكثر من سبعين عاماً،
وبالرغم من أن الأندلس، قد التأم شملها بعد ذلك في ظل المرابطين ثم الموحدين من
بعدهم، وبالرغم من أنها استطاعت أن تسترد تفوقها العسكري القديم في شبه الجزيرة
الإسبانية في فترات قصيرة: بالرغم من ذلك كله، فإن الأندلس لم تستطع أن تسترد
وحدتها الإقليمية القديمة، ولا تماسكها القديم قط، بل لبثت بالعكس، خلال صراعها
الطويل مع اسبانيا النصرانية، تفقد قواها ومواردها تباعاً، وتنكمش رقعتها الإقليمية
تدريجياً. حتى إذا كان منتصف القرن السابع الهجري، رأينا رقعة الوطن الأندلسي،
ترتد إلى ما وراء نهر الوادي الكبير، وتنحصر في مملكة غرناطة الصغيرة، ورأينا
قواعد الأندلس القديمة الكبرى مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة وبلنسية ومرسية وغيرها،
تغدو مدناً إسبانية نصرانية، ويغدو ميزان القوى في شبه الجزيرة الإسبانية بيد
مملكة قشتالة الكبرى)[1]
ولم يتوقف أمر الفتن في الأندلس
على الفترة التي كان للمسلمين فيها بعض السلطة