اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 166
من أجل ناقة أو فرس، بينما كان
الصراع الثاني من أجل رئاسة أو قصر.
وقد ذكر محمد عبد الله عنان بعض
مشاهد ذلك، فقال ـ وهو يتحدث عن فترة القوة الأندلسية القصيرة، والتي حضرت لكل
الفتن التي جاءت بعدها ـ: (ولم يحد المنصور بن أبي عامر، حين استولى على السلطان،
عن هذه السياسة في تدعيم الحكومة المركزية، وسحق كل سلطة محلية وبالرغم من أنه
ينتمي إلى بيت من أكرم البيوتات العربية، فإنه عمل على سحق العصبية العربية، وعمل
في نفس الوقت على سحق عصبية الفتيان الصقالبة، ولم يستبق منهم إلا أقلية مخلصة.
وآثر أن يعتمد في الجملة على ولاء البربر، فكان منهم معظم قادة الجيش، وكان منهم
خلفاء المنصور وعماله في المغرب. وفضلا عن ذلك فقد كان من جراء نظام الطغيان
المطلق الذي فرضه المنصور على الأندلس، قرابة ثلاثين عاماً، أن توارت معظم
الزعامات والعناصر النابهة في المجتمع الأندلسي من الميدان، ولكنها لبثت في مكانها
وعزلتها، ترقب فرص الظهور والعمل، ومن جهة أخرى فقد كان هذا النظام المطلق، الذي
فرضه المنصور على الأمة الأندلسية، يخفي في ثنياته كثيراً من عوامل الهدم
والانتقاض. فقد كانت سائر العناصر التي تعاونت في إقامته وتدعيمه، يتربص بعضها
ببعض، ويخشى كل منها على مركزه وسلطانه. وكانت ثمة معارك خفية تجري بين البربر
وخصومهم من الصقالبة، في القصر وفي الحكومة. وكان بنو أمية يميلون إلى الصقالبة
مواليهم القدماء، ويكرهون البربر، إذ كانوا سنداً للمنصور في استلاب سلطانهم،
وكانت البطون العربية تكره هؤلاء وهؤلاء، ولكنها ترى في البربر خصمها الأساسي، وهو
من آثار الخصومة القديمة، التي لبثت تضطرم بين العنصرين منذ عصر الفتح)[1]
وبعد أن ذكر الزعامات الكثيرة
التي ظهرت، وراح يشكل كل واحد منها دولته