اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 165
الداخل، فقد رأينا هذا الزعيم القوي،
بعد أن استولى على تراث الأندلس، واستتب له الأمر، يعمل بكل ما وسع للاستئثار
بالسلطة، وإخماد النزعة القبلية، وتحطيم الزعامات والرياسات العربية المحلية. وقد
حذا خلفاؤه من أمراء بني أمية حذوه في تتبع العصبية العربية والقضاء عليها. وقد
بلغ هذا الصراع بين السلطة المركزية، وبين المنتزين عليها، ذروته في أواخر القرن
الثالث الهجري، إبان اضطرام الفتنة الكبرى، وتفاقم ثورة المولدين والعرب، في عهد
الأمير عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن (275 - 300 هـ)، حينما اندلع لهيب الثورة،
في كل ناحية من نواحي الأندلس، وظهر الزعماء العرب والبربر في معظم النواحي،
واستقلت معظم الكور والمدن الكبيرة عن قرطبة. وقد استطاع عبد الله أن يخمد الثورة
في كثير من النواحي، وأن ينقذ سلطان بني أمية من الخطر الداهم، ثم جاء من بعده عبد
الرحمن الناصر، فأتم المهمة، وقضى على جذور الفتنة من أساسها، وعمل على تدعيم
سلطانه بكل الوسائل، فاشتد في مطاردة القبائل والأسر العربية ذات البأس والعصبية،
وقضى على رياستها وزعامتها المحلية، ومال إلى اصطناع الموالي والصقالبة، وأولاهم
النفوذ والثقة، فاستأثروا في عهده بأرفع المناصب في القصر وفي الحكومة والجيش،
وكان من جراء ذلك أن انصرفت القبائل العربية عن الولاء له، وكان تخاذلها في نصرته
يوم موقعة الخندق الشهيرة (327 هـ)، يرجع من وجوه كثيرة، إلى سخط الزعماء العرب
لسياسته، في إذلالهم وسحق نفوذهم ومكانتهم)[1]
وهكذا أسس الأمويون لفتن المغرب،
بعد أن أسسوا لفتن المشرق، فقد كان لتلك النزعات العنصرية أثرها في تحويل الأندلس
إلى الشكل الذي كانت عليه القبائل العربية قبل الإسلام، حيث كان الصراع بينها
شديدا، ولم يكن الفرق بينهما سوى أن الصراع الأول كان