قال: لا.. لعمري إن هذا من أعظم الذنوب وأقبح العيوب، لأن الله تعالى
قال:﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾(النساء:29)
صحت فيه من بعيد: يا إمام، ما سبب هذا التفريط، وقبل ذلك ما بدايته؟
التفت إلي، وقال: لقد نقل عن قدماء هذه الأمة بدايات هذا التفريط
وكان سببه من وجهين: أحدهما: الجهل بالعلم، والثاني: قرب العهد بالرهبانية..
فكم قد زوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد ولا ماء وهولا يعلم أن
هذا من أقبح الأفعال، وأن الله تعالى لا يجرب عليه.. فربما سمعه جاهل من التائبين
فخرج فمات في الطريق فصار للقائل نصيب من إثمه.
قلت: لقد عهدناك يا إمام محبا للصالحين معظما للأولياء، فكيف تتجرأ
على هذا النقد الشديد، والإنكار العظيم؟
قال: لا.. لسنا من المنكرين.. ولكنا لا نتبع إلا ما صح.. والصالحون
هم الذين يتبعون الشرع ولا يتعبدون بآرائهم.. ألم تسمع ما ورد في الحديث:(لا
تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك
بقاياهم في الصوامع والديارات:﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾(الحديد:27))[1]
وكم يحثون على الفقر حتى حملوا خلقاً على إخراج أموالهم، ثم آل بهم
الأمر إما إلى التسخط عند الحاجة، وإما إلى التعرض بسؤال الناس.
وكم تأذى مسلم بأمرهم الناس بالتقلل! وقد قال النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم:( ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس)[2]، فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة
في التقلل، فحكى بعضهم: أن فيهم من كان يزن قوته بكربة رطبة، ففي كل ليلة يذهب من
رطوبتها قليل، وكنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا،