وفي قوله تعالى:﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ دليل على مراعاة الراحة
النفسية، لأن الحزن والأسف والتألم من أعظم أسباب العلل، ولهذا طمأنها الله تعالى
فقال:﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي
نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً﴾ (مريم:26)،
فالله تعالى لم يترك مريم ـ عليها السلام ـ لوساوسها وكيفية مواجهتها لقومها، بل أخبرها بأنه قد عزلها عن
مواجهة قومها ليتولى هو تعالى بقدرته ذلك.
بل يشير إلى هذا قوله تعالى في تبشيره لها:﴿ إِذْ قَالَتِ
الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ
الصَّالِحِينَ ﴾(آل عمران:45 ـ 46)، فالله تعالى ذكر محاسن هذا الولد الذي
بشرها به لتمتلئ نفسها أملا وفرحا وسرورا.
التغذية
دخلنا القاعة الأولى، فقرأت
لافتة كتب على بابها قوله تعالى:﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً
طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ (المائدة:88)
قلت للمعلم: أهذه قاعة التغذية؟
قال: أجل.. فالآية تشير إلى ذلك.. وهي تصرح بوجوب الأكل مما رزق
الله.
قلت: لا ـ يا معلم ـ فهذا الأمر للإباحة، كما قال الأصوليون.
قال: لا.. الأصل في الأمر دلالته على الوجوب، وما كان لهم أن ينقلوا
الأمر من الوجوب إلى الإباحة.
قلت: ولكنه أكل.. ولا أحد إلا ويأكل، فالطبيعة توجبه، ولا حاجة إلى
إيجاب الشرع.
قال: ألم تسمع قوله a:(وما
تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه)[1]