وقد رد على هذه الأقوال وغيرها الشريف
المرتضى عند الانتصار ليونس عليه السلام، فقال: (فإن قيل فما معنى قوله تعالى:
﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ
عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ
الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾ [الأنبياء: 87، 88] وما
معنى غضبه وعلى من كان غضبه وكيف ظن أن الله تعالى لا يقدر عليه؟ وذلك مما لا يظنه
مثله؟ وكيف اعترف بأنه من الظالمين والظلم قبيح؟)[2]
ثم أجاب على ذلك بقوله: (قلنا أما من يونس
عليه السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب، فقد خرج في الافتراء
على الأنبياء عليهم السلام وسوء الظن بهم عن الحد، وليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من
كان معاديا له وجاهل بأن الحكمة في سائر أفعاله، وهذا لا يليق باتباع الأنبياء
عليه السلام من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله تعالى ورفع درجته، أقبح من ذلك ظن
الجهال وإضافتهم إليه عليه السلام أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي
يصح بها الفعل. ويكاد يخرج عندنا من ظن بالأنبياء عليهم السلام مثل ذلك عن باب
التمييز والتكليف. وإنما كان غضبه عليه السلام على قومه لبقائهم على تكذيبه
وإصرارهم على الكفر ويأسه من إقلاعهم وتوبتهم، فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل
العذاب بهم وهو مقيم بينهم)[3]