وهذا البرهان هنا هو (العلم المكشوف
واليقين المشهود الذي يجر النفس الإنسانية إلى طاعة لا تميل معها إلى معصية، وانقياد
لا تصاحبه مخالفة.. ذلك أن إحدى أُسس العصمة هو العلم اليقين بنتائج المآثم وعواقب
المخالفة علماً لا يغلب، وانكشافاً لا يقهر، وهذا العلم الذي كان يصاحب يوسف هو
الذي صدّه عمّـا اقترحت عليه امرأة العزيز)[1]
هذا هو تفسير القائلين بالعصمة المطلقة
للهم وللبرهان.. وهو تفسير يتوافق مع القرآن الكريم كما يتوافق مع اللغة العربية..
لكن رواة تلك الآثار لم يلتفتوا إلى هذه المعاني القرآنية واللغوية.. فراحوا
يفسرون الآية بالروايات، لأن الروايات والقصص هي الوحيدة التي يسمح عقلهم الخرافي
بمرورها.
ولهذا نجد مفسرا كبيرا كالطبري عند تفسيره
للآية الكريمة ينقل الروايات الكثيرة التي نقلت بعد ذلك إلى كتب التاريخ وقصص
الأنبياء.. ومنها نقلت إلى كتب العقائد لتنحرف بالصورة القرآنية ليوسف عليه السلام
إلى الصورة اليهودية.
ومن تلك الروايات ما وراه عن السدي أنه قال:
قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك! ال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف،
ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله. فلم تزل حتى أطمعته، فهمَّت به وهم بها،
فدخلا البيت، وغلَّقت الأبواب، وذهب ليحلّ سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في
البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول: