اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 39
لمفسد، ولا سكينة لظالم، وكيف يسكن أو يرتاح، وضميره يؤنبه كل حين مذكرا
له بجرائمه؛ فإن لم يكن له ضمير؛ فإن مخاوفة من انتقام من ظلمهم يجعله في رعب دائم..
ولا يمكن أن تتحقق الحياة الطيبة مع الرعب.
وهكذا؛ فإن الدين والتدين لا يتناقض مع الرفاه وكل متطلباته، بل إن الله
تعالى يعتبره من مظاهر الحياة الطيبة للمؤمنين بسبب التزامهم بدينهم، قال تعالى: ﴿وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96]
وقد عبر الله تعالى هنا عن ذلك الرفاه بكونه بركة.. ليفرق بين العطاء
الكثير الذي قد يراد به الاستدراج، والذي لا خير ولا بركة فيه، كما قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ
أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56]
ولهذا لم يعتبر سليمان عليه السلام من المستغرقين في الدنيا مع كل ما
أوتيه من النعيم والرفاه، لأنه لم يحجب به عن ربه، بل كان أوابا منيبا كثير الشكر
لله.. وذلك ما حماه من تسلط النعم عليه، كما تسلطت على الذين شغلتهم عن ربهم،
وصرفتهم عنه، ولهذا قال: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ
خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾
(النمل:36)
ولأجل هذا طلب من الله تعالى أن يعطيه ملكا لم يعطه أحدا من عباده، كما
نص على ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: 35]
فهو لم يطلبه لذاته، وبتلك الصورة التي لا ينازعه فيها أحد إلا ليكون حجة
على من شغله ملكه عن الله، وكأنه يقول لربه: (يارب هب لي من الملك ما تشاء.. بل هب
لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يحصل عليه.. فإن هذا الملك مهما كان عظيما..
وذلك الفضل
اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 39