ولهذا من
الله تعالى على رسول الله a بأن الله أنزل عليه الحكمة، فقال: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ
عَظِيماً﴾ (النساء:113)، وقال: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ
مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً﴾
(الاسراء:39)
بل من على
المؤمنين بذلك، ذلك أن الحكمة التي تتنزل على رسول الله a يمكنها أن تنتقل إلى غيره، ليستفيد منها، ويتأدب بآدابها، ويترقى
بمعانيها، كما قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ
وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:231)
ولهذا كلما
كان المرء أقرب إلى رسول الله a، كلما
صفا مشربه من الحكمة، وكلما أصبح أهلا لتنزلها عليه، ذلك أن أعظم ما يحول بينه
وبينها تلك الآراء التي اعتقدها، أو التعصب الذي امتلأت به نفسه، والذي ولد من
البيئة التي نشأ فيها، أو السلف الذين حجبوه عن رؤية الحق المجرد.
ولهذا كان الران الأعظم الحائل بين القلوب وتنزل الحكمة تلقيها الحقائق
والقيم من غير المأذون لهم بالحديث عنها، أو من الذين تجرأوا على مخالفة الهداة
الذين كلفوا ببيان الحق لهم.
ولهذا اشترط
الله تعالى للدعوة الحكمة، فقال: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
[النحل: 125]، وقد قدمها على غيرها من الموعظة والجدل، حتى يبين أنهما إن لم يؤسسا
على الحكمة، فقد تكون المضرة الناتجة عنهما
اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 195