اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 11
عنه من خلال رحلته إليه، في نفس الوقت الذي يكرمون فيه من اكتشف أمريكا،
أو اكتشف بعوضة، أو نبتة، أو صخرة..
وأنا لا أقول: إن تلك الاكتشافات محتقرة.. معاذ الله، وكيف أقول ذلك، وقد
أمرنا الله تعالى بالسير في الأرض والكون، والبحث في حقائقها والاستفادة من الطاقات
المكتنزة فيها.. لكن فرق بين من يسير ليكتشف عالم الدنيا، ويبقى منحصرا فيها، بل
يسجن نفسه في سجونها، وبين من يجمع بين السيرين، السير إلى الله، والسير إلى الدنيا..
فالدنيا ليست سوى سلعة من سلع الله، وصنع من صنعه، ومن وصل إليه وصل إليها، ووصل
إلى كل شيء.
هل تذكر ـ أيها المريد الصادق ـ تلك الحادثة التي حصلت لبعض العلماء
القدامى حين راح يصيح بعد أن اكتشف بعض الحقائق البسيطة (وجدتها.. وجدتها) ([4])
ذلك أن تلك المعلومة التي اكتشفها استطاع أن يحل بها تلك المعضلة التي
أعجزه البحث عنها، إلى أن هداه الله إليها، فامتلأ فرحا وسرورا، وراح يصيح في
الشوارع باكتشافه.
فهكذا يفعل من يسير إلى الله؛ فهو في كل خطوة يتقدم بها إليه يكتشف شيئا
جديدا لم يكن يعرفه عنه، أو كانت معرفته به مجرد معلومة ذهنية لم تتمكن من نفسه؛
فإذا ما تمكنت امتلأ سرورا وطربا، وراح يصيح بوجدان عظيم معظما ربه، فرحا به.
ولذلك فإن كل الرحلة إلى الله هي رحلة اكتشافات.. لا لسنن الكون
وقوانينه.. ولا
[4]
أشير به إلى القصة المعروفة عن أرخميدس، وأنه كان يغتسل في حمام عام، فلاحظ أن
منسوب الماء ارتفع عندما انغمس في الماء، وقد قيل إنه خرج عارياً في الشارع يجري
ويصيح (يوريكا. يوريكا)، أي وجدتها وجدتها، لأنه تحقق من أن هذا الاكتشاف سيحل
معضلة التاج. ذلك أنه كُلِّف بإثبات أن التاج الجديد لهيرون، ملك سيراكيوز، لم يكن
من الذهب الخالص كما ادعى الصائغ، وقد كتبت القصة لأول مرة في القرن الأول ق.م، من
قبل المهندس المعماري الروماني فيتروفيوس.
اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 11