اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 104
قال: ﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: 35]
فجعلها نورا واحدا، فالشرع إذا فقد العقل لم يظهر به شيء وصار ضائعا ضياع الشعاع
عند فقد نور البصر، والعقل إذا فقد الشرع عجز عن أكثر الأمور عجز العين عند فقد
النور) ([88])
ولهذا تجد كبار الفلاسفة وقعوا في التيه الذي نجا منه عوام المؤمنين
البسطاء الذين لم تكن لهم مثل تلك العقول الجبارة، ولكنهم لتواضعهم لربهم، أُلهموا
وسُددوا؛ فظفروا بما حُرم منه من زعم لنفسه الذكاء، واغتر به، كما قال تعالى عن
أقوام الأنبياء الذين رفضوا الإذعان لهم مع الحجج العظيمة التي أتوهم بها: ﴿فَلَمَّا
جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ
وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ (غافر:83)، مع أن علمهم
ليس إلا مرحلة بسيطة في التطور العلمي، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ
مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ (النجم:30)
ولا أريد أن أذكر لك أمثلة على ذلك؛ فأنت تعرف تاريخ الفلسفة والعلوم..
وكيف وقع بعض البشر مع ذكائهم الشديد في كل ألوان السفسطة؛ فراحوا يجحدون الحقائق
مع وضوحها وظهورها، فنزلوا إلى مرتبة أدنى من مراتب العوام، بل مراتب الحيوانات
التي تقر بوجود العالم الذي تراه وتعيش فيه.
أما المؤمن؛ فإنه لاستضاءته بالنور الإلهي لم يقع في كل تلك السراديب
المظلمة التي وقعت فيها العقول المكتفية بنفسها البعيدة عن ربها.
وذلك لا يعني أن تلك العقول قد سبقته، وأن لها ما ليس لديه؛ فالأمر ليس
كذلك؛ فكل ما لتلك العقول هو للمؤمن، مع إضافة التسديد الإلهي.
ومن الأمثلة على ذلك أنه في الوقت الذي قد تقبل فيه بعض العقول بالخرافات