اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 100
رسول الله a ببيان خيرية المؤمن القوي، وهي خيرية مطلقة من كل قيد، تجعل كل مؤمن يبحث
عن كل أسباب القوة لتتجلى فيه الخيرية بكمالها وشمولها.. ثم أمر a بالحرص على ما ينفع، وذلك لأن القوة
قد تستغل فيما لا ينفع، فتكون وبالا على صاحبها.. فلا يكفي أن تكون لدينا قوة، بل
يجب أن نعرف أي نضعها، وكيف نستثمرها، وإلى من نوجهها.. وهذا هو السلام عينه.
ذلك أن السلام قد يقتضي استعمال القوة والعنف، كما قال تعالى في تبرير
الأمر بالجهاد مع كونه إزهاقا للأرواح التي جاءت الشريعة لحفظها: ﴿وَمَا
لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ
هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً
وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ (النساء:75)
وقد ورد هذا التبرير في مواضع مختلفة، وكلها تنطلق من أن الغرض من القتال
في الإسلام ليس المقصود منه التوسع أو الاستعمار أو السيطرة مثلما يفعل المصارعون،
وإنما المقصد منه نصرة المستضعفين، كما قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾
(الحج:39)، وقال: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
(البقرة:190)
ولهذا؛ فإن الذين يتوهمون أن السلام يتنافى مع الأخذ بأسباب القوة
مخطئون، لأن الأخذ بأسباب القوة هو الذي يردع المجرمين والمصارعين عن مواجهة
المسالمين، ولهذا طلب من المؤمنين الاستعداد الدائم، أمام العدو المستكبر، قال
تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]