اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 56
حقيقة
إيمانك؟) فقال: (قد عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت لذلك ليلي، واطمأن نهاري، وكأني
أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى
أهل النار يتضاغون فيها، فقال a: (يا حارث عرفت فالزم) ([85])
بالإضافة
إلى ذلك الفضل العظيم، فقد أخبر الله تعالى أن تلك الأنوار التي اكتسبها المؤمنون
في الدنيا هي التي يستضيئون بها في الآخرة، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ
مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا
بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ
وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ الله وَغَرَّكُمْ بِالله
الْغَرُورُ﴾ [الحديد: 12 - 14]
فهذه
الآيات الكريمة تبين أن نور المؤمنين يسعى أمامهم وبين أيديهم، ليضيء لهم الظلمات
التي تملأ ذلك الموقف، كما تبين أن مبدأ اكتساب ذلك النور كان في الدنيا، وبالعمل
الصالح، ولهذا يطلبون من المنافقين العودة للدنيا لاكتساب ذلك النور.
واحذر
ـ أيها المريد الصادق ـ بعد هذا أن تسد تلك الأنوار التي تكتسبها، وتملأ قلبك بها،
بالذنوب والمعاصي، وخاصة المتعدية منها، فإنها ظلمات في الدنيا والآخرة، وقد قال a: (اتقوا
الظلم؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) ([86])
ولهذا؛
فإنه إن اختلطت الظلمات بالأنوار كانت الغلبة للمتغلب منهما، وقد ورد في
[85] مصنف ابن أبي
شيبة 6/ 170 ح (30425)، المعجم الكبير للطبراني 3/ 266 ح (3367)