اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 445
ثم وصف ليل المتقين، وكيف
يعمرونه بطاعة الله، فقال: (أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن،
يرتّلونها ترتيلا، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية
فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقا، وظنّوا أنّها نصب
أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير
جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفّهم،
وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى اللّه تعالى في فكاك رقابهم)([1082])
ثم راح يصف نهارهم، وهو
نهار ممتلئ بالحياة والإيجابية والتأثير، فقال: (وأمّا النّهار فحلماء علماء،
أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم النّاظر فيحسبهم مرضى، وما
بالقوم من مرض، ويقول: لقد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم. لا يرضون من أعمالهم
القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متّهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكّي
أحد منهم، خاف ممّا يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربّي أعلم بي منّي
بنفسي، اللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل ممّا يظنّون، واغفر لي ما لا
يعلمون)([1083])
ثم راح يصحح تلك المفاهيم الخاطئة التي تصور المتقين بصورة
الضعفاء الذين لا أثر لهم في الحياة ولا تأثير، فقال: (فمن علامة أحدهم: أنّك ترى
له قوّة في دين، وحزما في لين، وإيمانا في يقين، وحرصا في علم، وعلما في حلم،
وقصدا في غنى، وخشوعا في عبادة، وتجمّلا في فاقة، وصبرا في شدّة، وطلبا في حلال،
ونشاطا في هدى، وتحرّجا عن طمع) ([1084])