اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 396
الحكم العدل الذي لا تضيع
عنده الحقوق.. قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة:8)
وفي آية أخرى جمع الله
تعالى الأصول الكبرى التي تقوم عليها العدالة، فقال: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا
وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (الشورى:15)
وقد ذكر المفسرون للآية
الكريمة أن فيها عشر كلمات مستقلات، كل كلمة منها منفصلة عن التي قبلها، ولكل هذه
الكلمات علاقة بالعدل في صورته المطلقة الكاملة الجميلة، وهي الصورة التي تجعل
الناس لا محالة يدخلون في دين الله أفواجا([946]):
أما الكلمة الأولى، فقوله
تعالى:﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ ﴾ أي: فللذي أوحينا إليك من الدين الذي
وصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم،
فادعُ الناس إليه.. وفي هذا منتهى العدل، فالنبي a أمر بأن يحكم
الناس بأصول الشرائع التي اتفقت عليها الملل، وهي لا تتفق إلا على ما يتفق مع
العدل والفطرة.
أما الكلمة الثانية، فقوله
تعالى:﴿ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ أي: استقم أنت يا محمد ومن
اتبعك على عبادة الله، كما أمركم الله عز وجل.. وفي هذا منتهى العدل.. فالعادل هو
الذي يبدأ بنفسه.. وهو الذي يطبق ما يقتضيه العدل على نفسه قبل أن يطبقه على غيره.
أما الكلمة الثالثة، فقوله
تعالى:﴿ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ لأن العادل هو الذي جعل
السلطة للقانون لا للهوى.. كما قال تعالى لداود عليه السلام:﴿ يَا دَاوُدُ
إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً