وتأملك
ـ أيها المريد الصادق ـ لهذه الآيات الكريمة يبين لك حقيقة الرجاء والأمل، والموضع
المرتبط بهما، حتى لا يتحول إلى أماني كاذبة، ذلك أن الشيطان قد يغر الإنسان عن
نفسه، فيوهمه أن الرحمة الإلهية التي اتسعت لكل شيء، لن يضيق بها شيء.
وهذا
صحيح ولكن الخطأ هو عدم إدراك تلك الشروط التي وضعها الله تعالى للإنسان حتى تتحقق
له الرحمة بصورتها الجمالية الخالية من الألم، وهي التي عبر عنها قوله تعالى: ﴿عَذَابِي
أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 156، 157]
فهاتان
الآيتان الكريمتان ذكرتا شروطا كثيرة للفلاح، وأخبر أن الرحمة الإلهية تتحقق
لأهلها المهتدين بهديها.. أما من عداهم، فتتحقق لهم رحمتهم الخاصة بهم، وهي الرحمة
التي تشبه ذلك الألم الذي يصيب به الأستاذ تلميذه الكسول حتى يعود إلى وعيه، بخلاف
الجوائز التي يسلمها للنجباء ليستمروا في جدهم وعملهم.
وهكذا
نجد القرآن الكريم يذكر أن لمغفرة الله تعالى الناتجة عن اسمه [الغفور] محلها
الخاص بها، وهو تحقق القابلية في الذي يريد أن يُغفر له، والتي عبر عنها قوله
تعالى عند ذكر شروط توبة المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ
فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا
عَظِيمًا ﴾ [النساء: 145،
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 358