اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 353
[التوبة:
18]
وقد
جمع الله تعالى بين الخشية والشفقة، وبين آثارهما التربوية، فقال: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ
بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا
يُشْرِكُونَ (59) ﴾ [المؤمنون: 57 - 59]
فهل
كل هذا الثناء القرآني منصرف لأصحاب المنازل الدنية، أم أنه منصرف لأولئك الصالحين
المقربين الذين تعاملوا مع الحقائق وفق ما تقتضيه من قيم.. ذلك أن لكل اسم أو صفة
أو فعل إلهي تأثيره الخاص في تلك النفوس الراقية والمرايا الصافية.
وقد اتفق الحكماء على هذا،
ومن ذلك قول بعضهم: (من أعطي شيئاً من المحبة، ولم يعط مثله من الخشية: فهو مخدوع)
([838])
وذكر آخر علاقة الخشية
بالمحبة، وكونها أثرا من آثارها، وذلك في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ هَذَا مَا
تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ
وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: 32، 33]: (الخشية من الرحمن هي الخشية من
الفراق، والخشية من الرحمن تكون مقرونة بالأنس، ولذلك لم يقل: من خشي الجبار ولا
من خشي القهار)([839])
وقال آخر: (الشفقة -
كالعشق - موصل إلى الله إلا أنه أنفذ منه في السير وأوسع منه مدى، إذ هو يوصل إلى
إسم الله الرحيم)([840])
وقال: (مرتبة الشفقة أسطع
من المحبة بمئة درجة وأوسع منها وأسمى، نعم! إن الشفقة بجميع أنواعها لطيفة،
نزيهة، أما العشق والمحبة فلا يتنازل إلى كثير من أنواعهما، ثم