اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 351
والعجب ممن يردد ما ذكرت
من احتقار مثل هذه المنازل، وقد قال رسول الله a:
(إنّي أتقاكم الله وأشدّكم له خشية)، فهل خشية رسول الله a
دليل قصور، أم دليل كمال؟
وهكذا
كان حال أصحاب رسول الله a المنتجبين، فقد روي أنه a بلغه شيء عن أصحابه، فخطب، فقال:
(عرضت عليّ الجنّة والنّار، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم
لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)، قال الراوي: فما أتى على أصحاب رسول الله a يوم أشدّ منه، غطّوا رؤوسهم
ولهم خنين([836]))([837])
ولهذا وصف الله تعالى بها،
أولو الألباب، فقال: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ
عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 19 - 22]
فانظر ـ أيها المريد
الصادق ـ كيف جمع الله تعالى بين هذه المنازل جميعا، وهو ما يبين عدم التنافر
بينها، فالنزول في منزل من المنازل لا يعني هدم غيره، فالمكارم لا يهدم بعضها
بعضا، وإنما يكمل بعضها بعضا.
لذلك لا تلتفت لمن يصور لك
أن الخشية والشفقة والخوف حجاب عن الله.. بل هي دليل كمال المعرفة، وهي لا تتناقض
مع المحبة، بل قد تكون دليلا عليها؛ فلا يحرص، ولا يخشى، ولا يشفق إلا من امتلأ
قلبه محبة لمن يشفق على ضياعه.
بل إن الله تعالى أخبر أن
الخشية والشفقة من الوسائل التي تدعو إلى التزكية والترقية،
[836]
خنين: صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب.