اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 342
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن التذلل والمسكنة، وما يرتبط بها من الإخبات والافتقار والخضوع
والخشوع، وحقيقتها، ومنابعها، ودرجاتها، وسر علاقتها بالنفس المطمئنة.
وجوابا على سؤالك الوجيه
أذكر لك أن الصفات التي ذكرتها من المنازل الضرورية للنفس المطمئنة، ولا يمكن أن
تتحقق بطمأنينتها إلا بها..
ذلك أن النفس المطمئنة مثل
التربة اللينة السهلة الطيبة، التي يمكنها أن تستقبل البذور الصالحة، لتتحول بعد
سقيها إلى حدائق غناء وثمار يانعة.. أما إن كانت صلبة قاسية كالحجارة، فإنها لا يمكن
أن تستقبل بذورا، ولا أن تنتج ثمارا.
وإلى ذلك الإشارة بقوله
تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾
[التوبة: 60]، فهي تشير إلى أن قانون الصدقات واحد؛ فكما أنه لا يعطى من مواهب
الدنيا إلى من أظهر فقره وحاجته، فكذلك مواهب الآخرة وكمالاتها لا تعطى إلا لمن
أبدى ذلك.
وسر ذلك هو أن (الأشياء كامنة في أضدادها؛ فالعز كامن في الذل،
والغنى في الفقر، والقوة في الضعف، والعلم في الجهل) ([809])،
كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوَارِثِينَ (5)﴾ [القصص: 5]
وقد اتفق الحكماء على أنه
كلما اتصف العبد بأوصافه، كلما من الله تعالى عليه بما هو أهله من الكرم والجود
والفضل.. وقد قال بعضهم في ذلك: (تحقّق بأوصافك يمدّك
بأوصافه، وتحقّق بذلّك يمدّك بعزّته، وتحقق بعجزك يمدّك بقدرته، وتحقق بضعفك يمدك