اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 326
وهذه الرقاية
التي يدفع إليها الحياء، تجعل صاحبها مقبلا على كل خير، مدبرا عن كل شر، ولهذا ورد
في الحديث أن رسول الله a مرّ على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله a: (دعه فإنّ الحياء من
الإيمان)([756])،
وفي حديث آخر: (الحياء لا يأتي إلّا بخير)([757])
ولهذا تقترن
الجرأة على المعاصي بفقدان الحياء، ذلك أنه الجدار الحامي عنها، فمن كسر الجدار،
صار في صحبة الشيطان، وسهل عليه أن يمارس كل المعاصي، ويشير إلى هذا قوله a: (أول ما ينزع الله من العبد
الحياء، فيصير ماقتاً ممقّتاً، ثم ينزع منه الأمانة، ثم ينزع منه الرحمة، ثم يخلع
دين الإسلام عن عنقه، فيصير شيطاناً لعيناً)([758])
وقد قال بعض
الحكماء في ذلك: (من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب.. ذلك أنّ
الذّنوب تضعف الحياء من العبد، حتّى ربّما انسلخ منه بالكلّيّة حتّى إنّه ربّما لا
يتأثّر بعلم النّاس بسوء حاله، ولا باطّلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله
وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه
الحال لم يبق في صلاحه مطمع.. فإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيّاه، وقال: فديت من لا
يفلح، ومن لا حياء فيه ميّت في الدّنيا شقيّ في الآخرة، وبين الذّنوب وقلّة الحياء
وعدم الغيرة تلازم من الطّرفين، وكلّ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا)([759])
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن الحياء مرتبط بكل المنازل والمقامات
والمكارم، وهو يعطيها الكثير من الجمال الذي يحفظها، ويزينها، ويترفع بها عن
السفاسف