اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 303
من أن ما يضحي لأجله أفضل
من الذي يضحي به.. ولولا ذلك لحرص على حياته ونفسه، ولم يبذلها في سبيل الله.
وهكذا؛ فإن الزهد ركن
ضروري في جميع الأخلاق، ذلك أنه يعني المعارف التي تجعله يفضل الآخرة على الأولى،
والآجلة على العاجلة، والله على خلقه..
بل إن المنحرف أيضا زاهد..
ولكن على عكس التقي الصالح، ذلك أنه بعد موازنته نعيم الدنيا بنعيم الآخرة، راح
يختار الدنيا.. وبذلك تحقق له الزهد في الآخرة.. ولذلك روي عن بعض الصالحين، أنه
عندما قيل له: أنت زاهد.. قال: لا.. بل الزاهد من آثار الأولى على الآخرة.. فهو
الذي ضحى بالعظيم لأجل الحقير.. وبالكثير لأجل القليل.
إذا عرفت هذا ـ أيها
المريد الصادق ـ فاعلم أن أول المصادر التي تحث على الزهد، وتعطي المعارف المرتبطة
به، هو القرآن الكريم.. فلا يكاد يقرؤه أحد بصدق وتدبر إلا هداه الله تعالى إلى
حقائق الوجود التي ترفع عنه تلك الأغلال التي تحول بينه وبين طلب الكمال.
وقد ذكرت لك في رسائل
سابقة ما ذكره القرآن الكريم عن الدنيا وحقارتها، ومنها قوله تعالى: ﴿وَمَا
أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا
عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [القصص: 60]، فهذه
الآية الكريمة تشير إلى أن كل ما في الدنيا من متاع وزينة يوجد ما هو خير منه
وأدوم في الآخرة.. ولذلك فإن الزاهد في الدنيا، لن يضيع زهده، بل سيكسب أضعاف ما
يتوهم المتثاقلون أنه خسره، بإضافة عنصر الزمان وامتداده، والذي حرم منه
المتثاقلون إلى في الدنيا.
وقد عقب الله تلك الآية
الكريمة بقوله: ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ
كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [القصص: 61]، وهي تدل على أنه لا وجه
للمقارنة بين المؤمن الذي وثق في وعد الله الذي سيلقاه لا محالة، وبين ذلك
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 303