اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 300
ألف الدينار عليه فلم
يقبلها وقال: ما أخرجناه لله فلا يرجع)([671])
ومن تلك الحكايات، وهي
متعلقة بجانب من الفتوة، وهو التغافل عن عيوب الغير وأخطائهم، أن رجلا من الفتيان
تزوج امرأة، فلما دخلت عليه رأى بها الجدري، فقال: اشتكيت عيني، ثم قال: عميت،
فبعد عشرين سنة ماتت، ولم تعلم أنه بصير، فقيل له في ذلك، فقال:(كرهت أن يحزنها
رؤيتي لما بها)، فقيل له:(سبقت الفتيان) ([672])
ومثل ذلك ما روي أن رجلا استضاف
جماعة من الفتيان، فلما فرغوا من الطعام خرجت جارية تصب الماء على أيديهم، فانقبض
واحد منهم، وقال:(ليس من الفتوة أن تصب النسوان الماء على أيدي الرجال) فقال آخر
منهم:(أنا منذ سنين أدخل إلى هذه الدار، ولم أعلم أن امرأة تصب الماء على أيدينا
أو رجلا) ([673])
وروي أن جماعة فتيان قدموا
لزيارة صديق لهم، فقال الرجل:(يا غلام قدم السفرة)، فلم يقدم، فقالها ثانياوثالثا
فلم يقدم، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا:(ليس من الفتوة أن يستخدم الرجل من يتعاصى
عليه في تقديم السفرة كل هذا)، فقال الرجل:(لم أبطأت بالسفرة)، فقال الغلام:(كان
عليها نمل، فلم يكن من الأدب تقديم السفرة إلى الفتيان مع النمل، ولم يكن من
الفتوة إلقاء النمل وطردهم عن الزاد، فلبثت حتى دب النمل)، فقالوا:(يا غلام مثلك
يخدم الفتيان) ([674])
هذه بعض الحكايات الواردة
في هذا؛ فاحرص ـ أيها المريد الصادق ـ أن تكون من السابقين إلى المروءة والخلال
النبيلة، ولا ترتضي بدرجاتها الدنيا، فتكون من المخلفين.
[671]
ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 263 -264.