اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 272
فابن
عباس كان في تلك اللحظة بين مراعاة حقين: حق الله تعالى الذي أوجبه على نفسه
بالاعتكاف، وحق خلقه الذي أوجبه الله عليه.. فلذلك راح يقدم ما أوجبه الله عليه
على ما أوجبه على نفسه، وإن كان حقا لله تعالى.
ولذلك؛
فإن الذي يقصر ما كلف به من حقوق على الخلق بحجة التعبد، هو لا يفرط في حق الخلق
فقط، بل يفرط في حق الله أيضا.. لأنه لا يمكن لأحد أن يؤدي حق الله، وهو يغض طرفه
عن التكاليف التي كلف بها.
ولتفهم
سر هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن هذا الكون بني على نظام محكم، ووفق قوانين
دقيقة تسري على الجميع، ولو أن جهة ما فرطت في بعض ما كلفت به، لسرى الخلل إلى
الجميع.
وليعلمنا
الله تعالى ذلك، ويجعلنا ننضبط بالقوانين التي وضعها، والمملوءة بالعدالة والرحمة
أخبرنا أنه هو نفسه مع عظمته وتعاليه فرض على نفسه من الحقوق والقوانين ما ألزمها به رحمة منه وفضلا.
وقد
ورد ذلك في آيات كثيرة، وبصيغ مختلفة منها قوله تعالى:﴿ ثُمَّ نُنَجِّي
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس:103)، فالله تعالى أوجب
على نفسه ـ حسب هذه الآية ـ رحمة منه وفضلا إنجاء المؤمنين من المهالك.
وأوجب
تعالى على نفسه ـ رحمة منه وفضلا ـ نصر المؤمنين، فقال:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ
الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم:47)
وأوجب
تعالى على نفسه ـ رحمة منه وفضلا ـ إدخال المجاهدين في سبيله الجنة، كما قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 272