اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 271
ادا الحقوق
كتبت
إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الحقوق التي ورد الحث على أدائها، وأنواعها،
وعلاقتها بالنفس المطمئنة.
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن كل رحلة النفس المطمئنة في سيرها التحققي والتخلقي
إنما يتم بناء على مراعاتها للحقوق التي كلفت بها.. فهي لا تتحرك من ذاتها لذاتها،
وإنما تتحرك وفق ما كلفت به من وظائف تبدأ من علاقتها بربها، وتنتهي بعلاقتها مع
الخلق.
ومن
زعم أن له نفسا مطمئنة، أو أنه من الحكماء، أو أنه من العارفين بربهم، أو أنه من
أولياء الله، ثم فرط في بعض تلك الحقوق، كان مدعيا فيما ادعاه، فيستحيل على صاحب
النفس المطمئنة أن يقصر في التكاليف التي أنيطت به، والأمانات التي استودعها الله
عنده.
وكمثال
على ذلك يقرب لك هذا المعنى ما روي أن ابن عباس كان معتكفا في مسجد رسول الله a، فأتاه
رجلٌ، فسلم عليه، ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان! أراك مكتئبا حزينا. قال: نعم
يا ابن عم رسول الله a لفلان
علي حق ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه، قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك؟
فقال: إن أحببت. قال: فانتعل ابن عباس، ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما
كنت فيه؟ قال: (لا، ولكني سمعت صاحب هذا القبر a يقول: (من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها؛
كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى؛ جعل الله
بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق، أبعد مما بين الخافقين) ([594])