اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 239
واجبة؛ فقد يتوقف بعضهم عن ذلك بحجة
الخوف من أن يقول ما لا يفعل، فيجمع في ذلك بين الإثمين: إثم الذنب، وإثم السكوت
عليه، مثلما كان يفعل المشركون الذين يجمعون بين إثمي تكذيب الرسول a والنهي
عن اتباعه، قال تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ
وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام: 26]
ومما يروى في هذا أن بعض العلماء طلب
من بعض تلاميذه أن يخرج إلى قرية من القرى ليعظهم، فقال الرجل: إني أخاف أن أقول
ما لا أفعل، فقال: (يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول؟!، ويود الشيطان أنه قد ظفر
بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه عن منكر)
وقال بعضهم لمن دعاه إلى العزلة،
والاكتفاء بالعبادة: (إنَّ الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في
الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر
فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما
أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر)
وروي أن بعضهم كان يختلف إلى بعض
العلماء، وكان ذا سمت، وخشوع، وكان العالم يحترمه، فغاب عن مجلسه مدة، ثم عاد إليه،
وقد نحل جسمه، وشحب لونه، وعلى إحدى عينيه قطعة شمع قد ألصقها بها، فقال له العالم:
ألست صاحبنا الذي كنت تأتينا؟ قال: بلى، قال: فما الذي قطعك عنا؟ فقال: قد رزقني
الله سبحانه الإنابة إليه، وحبب إلى الخلوة، وأنست بالوحدة، واشتغلت بالعبادة، قال
له: فما بال عينك هذه؟ قال: نظرت إلى الدنيا فإذا هي دار فتنة، وبلاء قد ذمها الله
تعالى إلينا، وعابها، وذم ما فيها، فلم يمكني تغميض عيني كلتيهما عنها، ورأيتني،
وأنا أبصر بإحداهما نحوا مما أبصر بهما جميعا، فغمضت واحدة، وتركت الأخرى، فقال له
العالم: ومنذ كم هذه الشمعة على عينك ؟قال: منذ شهرين، أو نحوهما !فقال له: (يا
هذا أما علمت أن لله عليك صلاة شهرين، وطهارة
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 239